samedi 23 avril 2011

بحث حول التأمين التكافلي

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على المبعوث هدى ورحمة للعالمين ، سيدنا محمد النبي الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، ومن سلك طريقهم واقتدى بهديهم إلى يوم الدين ..

أما بعد :
فهذه ورقة علمية أعددتها خصيصا لأغراض ملتقى التأمين التعاوني المقام برعاية السادة /   الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل ، والورقة بعنوان : { تقييم تطبيقات وتجارب التأمين التكافلي الإسلامي } ، راجيا أن أوفق في تقديم رؤية مؤصلة شرعيا وفنيا للموضوع محل البحث ، وأن تسهم هذه الورقة في الدعوة العملية إلى تقويم وترسيخ التطبيقات العملية الواعدة لصناعة التأمين الإسلامي ( التكافلي أو التعاوني ) .
ولما كانت هذه الورقة تُعَدُّ سابقة في موضوعها ـ حسب علمي ـ ، والعنوان يستوعب تقييم الصناعة بجميع مكوناتها وتفاصيلها ومسائلها ؛ بما لا يمكن الإحاطة به في ثنايا هذه الورقة ، فقد عُنِيت بتحرير عناصر الورقة وتخطيط هيكلها ، وذلك بما يشمل التنبيه على أمهات القضايا وعيون المسائل وجليل الاستدراكات ، وبما يحقق مقاصد الورقة دون إسهاب ممل ولا إيجاز مخل .
وعليه فقد خططت الورقة لتشمل ثلاثة محاور تنتظم الموضوعات التالية :
المحور الأول : الوصف العام لصناعة التأمين التكافلي .. لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره .
المحور الثاني : الإنجازات وجوانب القوة .. وقدمتُها لفضيلتها .
المحور الثالث : التحديات وجوانب الضعف .


سائلا المولى العلي القدير أن تكون هذه الورقة وقفا صالحا
يعم نفعه وتربو بركته لي ولوالدي في الدارين ..
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل ..
د.رياض منصور الخليفي

المحور الأول : الوصف العام لصناعة التأمين التكافلي

في هذا المحور سأتناول بيان الوصف العام لصناعة التأمين التكافلي ، إذ الحكم على الشيء فرع عن تصوره ، فلابد من تحقيق التصور الملائم لبيان حقيقة نظام التأمين التكافلي ابتداء ، وذلك تمهيدا لتقييمه بعد ذلك ، وعليه فسوف أتناول هذا المحور من خلال الأقسام الثلاثة التالية :

القسم الأول : الوصف الفني للعلاقات المالية في نظام شركات التأمين التكافلي .
القسم الثاني : الفروقات الجوهرية بين التأمين التكافلي والتأمين التجاري .
القسم الثالث : إحصاءات وبيانات مهمة حول صناعة التأمين التكافلي الإسلامي .


القسم الأول : الوصف الفني للعلاقات المالية في نظام شركات التأمين التكافلي

يقوم الكيان المالي لنظام شركات التأمين التجاري ( التقليدي ) على أساس وجود حساب مالي واحد يمثل المساهمين ( الملاك ) ، وعليه تدور كافة الحقوق والالتزامات كنتيجة منطقية للعلاقة القانونية التبادلية بين الشركة (المؤمِّن ) وعملائها ( المؤمَّن لهم ) ، وهي علاقة معاوضة بين      ( بائع الأمن × مشتري الأمن ) ، وقد حظر الفقه الإسلامي المعاصر هذا النموذج التقليدي ، وأبرز فيه العديد من المخالفات الشرعية التي فصَّلتها المجامع والندوات الفقهية في قراراتها وفتاويها الدولية[2].
وفي سبيل توفير المزايا والمنافع الاقتصادية من صناعة التأمين المعاصرة ؛ وبصورة لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية فقد اعتمد الفقهاء عند تطويرهم لنموذج التأمين التكافلي على ركيزة الفصل بين الحقوق الربحية والحقوق التكافلية داخل المنظومة المالية لشركة اتلأمين الإسلامية ،     وقد ترتب على ذلك أنه تم تصميم النظام المالي للشركات التكافلية ، بحيث يعترف بمبدأ الفصل التام بين ح/المشتركين و ح/ المساهمين داخل الإطار المالي لشركة التأمين التكافلي .
والحق أن الإبداع الفقهي الذي ابتكره الفقهاء المعاصرون بالتعاون مع خبراء التأمين المسلمين   قد تمثل في ابتكار نظام مركب من مجموعة عقود وعلاقات مالية يتم بائتلافها وتكاملها المزاوجة بين الهدفين الاقتصاديين معا : التجاري الربحي من جهة ؛ والتكافلي التعاوني من جهة أخرى ، والخلوص من ذلك النظام المطور إلى صيغة تأمين مؤسسية كفؤة تلبي حاجة الاقتصاد الإسلامي ومؤسساته المتنوعة إلى الاستفادة من

الخدمات والمنتجات التأمينية مع الالتزام بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية ، وليكون بديلا استراتيجيا رشيدا عن صيغة التأمين التجاري ( التقليدي ) .
ويمكننا تلخيص العلاقات المالية السائدة في النموذج التكافلي المعاصر في ثلاث علاقات رئيسة ، ويتفرع عنها علاقات مالية وقانونية أخرى بحسب نطاق وطبيعة عمل الشركة ، فسأجمل عرض تلك العلاقات الرئيسة تأصيلا لها ، ثم أعود عليها بالتحليل الفني والفقهي بما يوضحها ويكشف عن آلياتها ، وذلك على النحو التالي :
أولا : العلاقة بين المساهمين و ( هيئة المساهمين ) .
ثانيا : العلاقة بين ( هيئة المساهمين ) و ( هيئة المشتركين ) .. وتضم ثلاث علاقات تابعة لها .
ثالثا : العلاقة بين المشتركين و ( هيئة المشتركين ) .

العلاقة الأولى : العلاقة بين المساهمين و ( هيئة المساهمين )

إن العلاقة الأساسية الأولى بشركات التأمين التكافلي هي تلك العلاقة الناشئة بين أفراد المساهمين في تأسيس ( أو تملك أسهم ) شركة التأمين التكافلي وفق الترخيص الرسمي الممنوح للشركاء  ، والذين يُعبر عنهم باسم { هيئة المساهمين / حملة الأسهم } ، فالمؤسسون أوالملاك هم عبارة عن مجموعة أشخاص طبيعيين ( أفراد ) أو معنويين ( مؤسسات ) تنعقد إرادتهم على تأسيس شركة ربحية تدور أغراضها على ممارسة أنشطة التأمين التكافلي ومتعلقاته ، ويتم تحديد رأس مال الشركة مجزَّءا على حصص وأسهم بعدد الشركاء .

وإن الأغراض الرئيسة التي تسعى الشركة لتحقيقها هي :
1-    تأسيس وتشغيل صندوق التأمين التكافلي بجميع محافظه ومنتجاته وكوادره ومستلزماته الفنية ، فضلا عن تلقي الاشتراكات التكافلية لصالح الصندوق .
2-        تشغيل وتنمية واستثمار مجموع أموال المشتركين في الصندوق التكافلي في نطاق الشريعة .
3-        تشغيل وتنمية واستثمار رأس مال المؤسسين في مختلف المجالات المتوافقة مع الشريعة .
ويهمنا ههنا التأكيد على أن هدف ( المؤسسين / الملاك ) من الشركة التكافلية هو هدف استثماري ربحي ، وذلك من خلال ممارسة مجموعة من الأنشطة والأعمال الربحية التي يتوقع من خلالها تحقيق عوائد مناسبة لصالح الأعضاء حملة الأسهم في هيئة المساهمين .
والتكييف الفقهي لهذه العلاقة المالية تحكمه أحكام عقد الشركة في الفقه الإسلامي ، والشركة هنا شركة عقد ، وهي " عقد بين المتشاركين في الأصل والربح "[3] ، ويتحقق ذلك بنموذج شركة العنان في الفقه الإسلامي ؛ التي ثبتت مشروعيتها بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول [4] .

وبناء على ماسبق : فإن العلاقة المالية بين الشركاء المؤسسين أو الملاك المساهمين تجاه الشخصية المالية المستقلة لهيئة المساهمين هي علاقة شركة في الفقه الإسلامي .

العلاقة الثانية : العلاقة بين هيئة المساهمين و ( هيئة المشتركين )

     تعتبر العلاقة القانونية بين هيئة المساهمين والصندوق التكافلي للمشتركين علاقة مركبة وذات طبيعة مزدوجة ، فهي تعتبر علاقة ربحية تجارية من وجه ، وهي أيضا ـ وفي نفس الوقت ـ علاقة تكافلية تعاونية من وجه آخر .
     أما العلاقة الربحية فتتمثل في ما تستحقه هيئة المساهمين من أجور وأتعاب وعوائد مالية نتيجة قيامها بأعباء الإدارة التأمينية والاستثمارية لصندوق المشتركين ، فهي بهذا الاعتبار علاقة ربحية تجارية محضة ، تهدف إلى الربح بالدرجة الأولى ، والتكييف الفقهي لهذه العلاقة يتمثل في أحد ثلاثة عقود فقهية رئيسة ؛ وهي : عقد المضاربة [5] أو عقد الوكالة بأجر[6] أو عقد الإجارة على عمل [7] .
     وأما العلاقة التكافلية غير الربحية فتتمثل فيما تقدمه هيئة المساهمين من ( قرض / قروض ) حسنة بلا فوائد لصالح صندوق المشتركين ، والعلاقة بهذا الاعتبار تعتبر علاقة إحسان وتكافل لا ربح فيها باعتبار ذاتها ، والتكييف الفقهي لهذه العلاقة يتمثل في عقد القرض في الفقه الإسلامي[8] ،  والذي من شروطه عدم الزيادة نظير الأجل [9] .
      وعلى هذا فإن العلاقة بين هيئة المساهمين ( حملة الأسهم ) والصندوق التكافلي للمشتركين هي : علاقة مركبة بين الربحية التجارية من جهة والتكافلية التعاونية ـ غير الربحية ـ  من جهة أخرى ، وهذه الحقيقة العلمية المحررة هي على خلاف ما قد يتبادر إلى الذهن عند إطلاق مصطلح التكافل ، حيث قد يُتوهم


أن هيئة المساهمين بالشركة التكافلية تقدم هذه الأعمال والخدمات في نطاق التكافل والتعاون المحض فقط لا غير .


العلاقة الثالثة : العلاقة بين المشتركين و ( هيئة المشتركين )

تعتبر علاقة آحاد المشتركين ( وهم المؤمن عليهم أو حملة وثائق التأمين التكافلي ) تجاه الشخصية المعنوية لصندوق التأمين التكافلي ( هيئة المشتركين ) من أبرز العلاقات المالية التي يقوم عليها نظام التأمين التكافلي ، ذلك أن أركان العقد وطرفيه الرئيسين في هذه العلاقة هما :       أولا : المشترِك ( المؤمَّن له ) ، وثانيا : جهة التأمين ( المؤمِّن ) ممثلة بالصندوق التكافلي لهيئة المشتركين ، وصورة هذه العلاقة المالية ـ بين آحاد المشتركين ( المؤمن عليهم ) وهيئة المشتركين ـ أن يقوم المشترك بدفع اشتراك التأمين التكافلي أو التعاوني بصفته مشاركا في الهدف التكافلي       مع مجموعة المشتركين ، والذي من أجله أنشئ الصندوق التكافلي ، وهذه الاشتراكات التكافلية   إنما تقدم بهدف التعاون والمشاركة في ترميم الأضرار الواقعة على آحاد المشتركين ، فالعلاقة ههنا مشاركة تكافلية تعاونية غير ربحية ، وحكمها عقد التبرع الملزم في الفقه الإسلامي .
     وينفصل الاشتراك التكافلي عن ذمة العميل وملكيته بمجرد دفعه واستلامه من قبل الصندوق التكافلي باعتبار أن له شخصية معنوية مالية مستقلة ، وعندها لا يحق للمشترك ( المؤمَّن عليه ) المطالبة به باعتباره قد انتقل من ذمته إلى ذمة الصندوق التكافلي ولمصلحة مجموعة المشتركين ، إذ لو أجيز ـ فنيا ونظاميا ـ استرجاع الاشتراك التكافلي لما انتظمت أحوال الشركة ، ولما أمكن التعويل على حساباتها المؤسسية في مواجهة الأخطار المتوقعة ، ولأفضى ذلك إلى الإخلال بالغايات التكافلية ممثلة بتعويض المتضررين من المؤمَّن عليهم .
     وبناء على التصوير الفني السابق فإن التكييف الفقهي الأمثل لخصائص تلك العلاقة المالية المذكورة والمتوافق مع منهجية العقود الفقهية المسماة في الفقه الإسلامي أنها { عقد هبة لازم }    من عقود التبرعات في الفقه الإسلامي[10] ، كما أن التخريج الفقهي لتبادل الالتزام بالتبرع في عقد التأمين التعاوني أساسه قاعدة التزام التبرعات عند المالكية [11] .


     وأما باعتبار منهجية الضوابط الشرعية في فقه المعاملات المالية فإننا عند فحصنا لعقد التأمين التكافلي لا نجده يتضمن ربا ولا غررا مفسدا ولا أكلا للمال بالباطل ، ذلك أن هذه الموانع أو أسباب الفساد المالية إنما ترد حال كون العقد من عقود المعاوضات المالية المبنية على المشاحة بين الطرفين ، فقد نص الفقهاء على أن { باب التبرعات أوسع من باب المعاوضات }[12]  ، وعلى هذا فإن عقود التبرعات المبنية على التكافل والتعاون في صفتها ومقصدها لا ترد عليها تلك الأسباب المانعة من الصحة ، وحينئذ يبقى الحكم الشرعي على الإباحة الشرعية ؛ عملا بقاعدة { الأصل في المعاملات المالية الصحة والإباحة } [13] .

القسم الثاني : الفروقات الجوهرية بين التأمين التكافلي والتأمين التجاري

وإمعانا في إتقان التصور العملي لحقيقة نظام التأمين التكافلي الإسلامي ؛ واتساقا مع أهداف موضوع الورقة ومقاصدها ؛ فلابد لنا من الكشف عن أبرز الفروقات الجوهرية بين نظامي التأمين التكافلي في مقابل التأمين التجاري ( التقليدي ) ، إذ المقارنات تكشف عن حقائق المعاني ،    فالضد يظهر حسنه الضد ، وبضدها تتميز الأشياء .
ويمكننا ـ اختصارا وتيسيرا للضبط والحفظ ـ تحديد الفروقات في الخمسة التالية [14] :
أولا : المرجعية النهائية :
تتمثل المرجعية النهائية لجميع الأنشطة والأعمال والعمليات التي تجري في شركات التأمين التكافلي بأنها تنحصر في أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية الغراء ، وذلك يشمل عمليات التأمين والاستثمار والتعويضات وقواعد احتساب الفوائض التأمينية وتوزيعاتها ، وغيرها ، كما تشمل هذه المرجعية أيضا ترشيد سلوك المؤسسة في علاقاتها وسياساتها وخططها بما يتحقق معه امتثالها الفعلي بتطبيق أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية .



ولتفعيل وتأكيد هذا الفرق وتكريسه من الناحية العملية فقد استحدثت المؤسسات الإسلامية ضمن هياكل العمل التنظيمية تشكيل فريق شرعي باسم : { هيئة الفتوى والرقابة الشرعية } بحيث يضم مجموعة من فقهاء الشريعة المتخصصين في فقه المعاملات المالية ليقوموا بدورالترشيد والتوجيه لعمليات الشركة التكافلية في مجالات التأمين والاستثمار معا ، كما يناط بهم ممارسة الرقابة الشرعية للتحقق من مدى جودة وسلامة التزام شركة التأمين التكافلي بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في أعمالها وعملياتها كافة .
في حين إن المرجعية النهائية لشركات التأمين التجاري ( التقليدي ) تخضع إلى التشريعات والأعراف الخاصة بالتأمين في كل دولة ، والتي هي بطبيعة الحال ذات أصل تقليدي تجاري محض ينسجم مع فلسفة المدرسة الرأسمالية في العمل التجاري بصفة عامة ، وما يترتب على ذلك من عدم الاعتراف بتدخل الدِّين في ترشيد المعاملات المالية ، وإجراء عقود عمليات التأمين وفق أساس المعاوضات المبنية على الغرر الفاحش وأكل المال بالباطل والربا ونحوها من المخالفات الشرعية ، وإجراء أساليب وعقود الاستثمار على أساس الفائدة الربوية ، حيث يصعب في الواقع المعاصر تصور شركة تأمين تقليدي لا تقوم على تعظيم مدخراتها واحتياطياتها على ركيزة الودائع الربوية متنوعة الأجل ، وذلك تحوطا من مخاطر السيولة لديها .
ثانيا : العلاقة القانونية :
حيث يقوم عقد التأمين التكافلي على أساس عقود التبرعات في الفقه الإسلامي ، فيكون باذل الاشتراك التكافلي أو التعاوني شريكا مع مجموعة المشتركين في تحمل الأخطار حال وقوعها وتحققها على أفراد المشتركين ، فالعلاقة هنا تكافلية تعاونية هدفها الأساس هو : التكافل في جبر الضرر وترميم الخطر حال وقوعه على آحاد المشتركين ، ولذلك فإن صناديق ومحافظ التأمين التكافلي      لا تنتج ربحا ، وإنما قد ينتج عنها فوائض تأمينية تعود لمصلحة المشتركين أنفسهم ، وذلك بعد حسم مصروفات الإدارة ومستحقات التشغيل .
وأما عقد التأمين التجاري فهو : عقد معاوضة قائم على احتمال وقوع الخطر ، فهو عقد بيع للأمان من أعباء المخاطر والتهديدات التي قد تحصل وقد لا تحصل في المستقبل ، فالعلاقة هنا معاوضة ربحية تهدف أساسا إلى : تحقيق الربح من خلال المتاجرة بمخاوف العملاء ( المؤمَّن عليهم ) ، وهندستها المالية تقوم على طرفين هما : ( بائع الأمن × مشتري الأمن ) ، ولذلك فإن هذه العلاقة القانونية الربحية تؤول في نهاية أجل وثيقة التأمين التجاري إلى تحقيق ربح خالص يستحقه ( المساهمون ) وهم ملاك الشركة التقليدية .
   
ثالثا : العلاقة المالية في العملية التأمينية ( الفائض التأميني ) :
يقوم الهيكل المالي لشركات التأمين التكافلي على قسمين مختلفين من الحسابات هما :     حساب المساهمين ( حملة الأسهم ) ، ويمثل نظاميا رأس مال الشركة ، وحساب المشتركين المؤمن عليهم ( حملة الوثائق ) ويمثل نظاميا صندوق التأمين التكافلي ، وقد يعبر عنهما بصندوق المساهمين وصندوق المشتركين .
وفيما يختص بحساب المشتركين ( الصندوق التكافلي ) يقوم المؤمَّن عليه ( المشترك ) بسداد الاشتراك التعاوني لصالح صندوق المشتركين ، ولا يخلو إما أن يقع الضرر عليه فيُعَوَّضُ من صندوق التأمين التكافلي ، أو لا يقع ، فإن عُوِّض نظير الضرر فقد تحقق مقصود التكافل الجماعي بالنسبة له ، وإن لم يقع فقد تحقق أيضا مقصود التكافل الجماعي منه بالنسبة إلى غيره من المشتركين .
فإن تحقق فائض مالي في صندوق التأمين لم يَجُز صرف هذا الفائض لجهة أخرى غير جماعة المشتركين المتكافلين بواسطة الصندوق التكافلي ، ولذلك فإن هذا المشترك ( المؤمن عليه ) حال عدم وقوع الخطر عليه فإنه يستحق نصيبا من هذا الفائض ، لأنه مال مرصد لجبر الضرر خلال أجل محدد ، وقد انتفى غرضه فيعود إلى باذليه ، ويلاحظ ههنا أنه لا يعود بصفته ربحا ناتجا عن تشغيل ربحي تجاري ، وإنما يعود إليه بصفة الفائض في الصندوق ، وذلك بطبيعة الحال وفق الأسس والقواعد والضوابط التي تتبعها كل شركة تكافلية في تنظيم توزيع الفائض لديها . 
وأما في شركة التأمين التجاري ( التقليدي ) فإن المؤمن عليه يقوم بأداء العوض الذي يبذله نظير شراء الأمن من الخطر المستقبلي ؛ بمعنى ترميم الضرر الحاصل وجبر الخطر حال تحققه ، فالعميل المؤمن عليه إنما يستهدف شراء الأمن المستقبلي ببذل عوض مالي ، وشركة التأمين بموجب عقد المعاوضة نفسه ( وثيقة التأمين ) تبيع للعميل الأمن الذي يطلبه من احتمال وقوع الخطر مستقبلا ، وذلك نظير أقساط تأمينية معلومة ، والهندسة المالية للعقد تقوم على طرفين هما : ( بائع الأمن × مشتري الأمن ) .
ويدل لهذه العلاقة المالية التجارية القائمة على أساس المعاوضة الربحية أنه في حال انتهاء أجل التغطية المتفق عليه بموجب وثيقة التأمين تنتقل ملكية الأقساط التأمينية ( التي كانت معلقة خلال زمن التغطية التأمينية ) إلى ملكية خالصة تؤول إلى ربح محقق لصالح شركة التأمين التجاري ، والمُسَوِّغ لذلك أن الشركة تكون قد بذلت الوعد بالأمن المستقبلي من الأخطار واستحقت في مقابل ذلك الاشتراكات التأمينية المدفوعة من قبل العميل ( المؤمن عليه ) ، وبناء على هذه الفلسفة فإن العميل لا يحق له المطالبة بأية حقوق لأنه إنما دفع الاشتراكات لشراء مجرد الوعد بالتأمين من الأخطار المستقبلية ، وقد حصل للعميل هذا الوعد الذي طلبه ، وكون الضرر لم يقع فهذا أمر آخر لا يحول دون تملك الشركة للأقساط التأمينية .

رابعا : الأسس الاستثمارية :
تقوم شركات التأمين التكافلي كغيرها من شركات التأمين بتصميم هيكلها المالي وفق مجموعة معطيات فنية واقتصادية تُرَشِّدُ هيكلتها المالية ، حيث يتم بموجب العمليات الرياضية والجداول الإحصائية تقدير احتياجات سوق التأمين من السيولة لمواجهة مختلف التعويضات المحتملة والناتجة عن منتجات التأمين ، وما زاد عن ذلك من أقساط التأمين يتم استثماره بهدف تعظيم إيرادات الشركة وتعزيز مركزها المالي .    
وعادة ما يتم تنويع الاستثمارات في صيغ ومجالات مختلفة ، ووفق آجال طويلة ومتوسطة وقصيرة ، وذلك كله من خلال هيكل مالي متحرك دوريا بحيث يراعي مختلف المخاطر المالية المحيطة بعمل الشركة .
والمهم هنا بيان أن هذه الأوجه من الاستثمارات للأموال التأمينية في الشركات التكافلية يشترط فيها أن تكون غير مخالفة للشريعة الإسلامية ، فلا يحل لها أن تستثمر أموالها في الودائع الاستثمارية والادخارية الربوية بأنواعها ، لأن حقيقتها قروض بفوائد ربوية محرمة شرعا ، كما يحرم عليها تمويل عجزها المالي ( الرأسمالي أو التوسعي ) بواسطة الاقتراض الربوي من البنوك التجارية ( التقليدية ) ، بل يشترط عليها أيضا أن يكون استثمارها المالي المباشر محصورا في شركات مالية تكون ـ على الأقل ـ متوافقة مع الشريعة الإسلامية ، فلا يجوز مثلا الاستثمار المالي عن طريق الاكتتاب في أسهم البنوك الربوية ونحوها من الشركات التي تقوم ـ وفق أنظمتها الأساسية ـ على أعمال تصادم أحكام الشريعة الإسلامية .
وأما شركات التأمين التجاري ( التقليدي ) فإنها تقوم باستثمار أموالها التأمينية من خلال توظيفها في مختلف أوجه الاستثمار بعيدا عن مراعاة الأسس الدينية الشرعية ، إذ من مبادئ ومسلمات صناعة التأمين التجاري ( التقليدي ) أنها تقوم أصالة بتوظيف فوائضها المالية في أوعية الاستثمار الربوية المحرمة ، كالودائع التجارية الربوية بأنواعها ، والسندات وأذوانت الخزانة ، وأما في جانب تمويل العجز ( الرأسمالي / التوسعي ) فإنها ستلجأ بداهة إلى الاقتراض بالربا المحرم شرعا .

خامسا : أسس التغطيات التأمينية :
إن من أبرز الفروقات الفنية التي تميز التأمين التكافلي عن غيره أن نطاق التغطيات التأمينية تحكمه الشريعة الإسلامية ، فلا يجوز على سبيل المثال التأمين على الديون الربوية ؛ سواء كانت مديونيات مباشرة أو ممثلة بسندات ربوية ، كما لا يجوز التأمين على مقار المؤسسات الربوية ،  وكذا مناشط الفساد الأخلاقي والتجاري كمحلات المتاجرة بالأفلام والأغاني المحرمة ، فضلا عن شحنات الخمور والسجائر ونحوها مما يداخله الحظر الشرعي ، فجميع الصور المذكورة ونظائرها يحظر على شركة التأميني التكافلي الإسلامي أن تغطيها تأمينيا ؛ وإن كانت قد تحقق أحيانا عوائد جيدة للوعاء التكافلي ، وهذا المبدأ تلتزمه ـ بحمد الله ـ عامة شركات التأمين التكافلي الإسلامي .
وفي المقابل نجد أن شركات التأمين التجاري ( التقليدي ) لن تتحفظ على تغطية الصور السابقة ، بل إنها ستبادر إلى اختراع تغطيات يشتد حظرُها عرفا وشرعا ، إذ العبرة لديها تحقيق أعلى معدلات ربحية ممكنة ، وبغض النظر عن أية اعتبارات شرعية أو عرفية أو أخلاقية ، إلا ما قل وندر .
ولنضرب أمثلة فاضحة على التغطيات التأمينية التقليدية ، والتي تخالف مقتضى الشرع والعقل والأخلاق مجتمعين ، وفيها من القبح والوقاحة ما ينسجم مع طبيعة الفكر المادي الغربي ، ومنها [15]:



1-        التأمين على حالات الانتحار .
2-        التأمين على مواخير الدعارة وبيوت الزنا .
3-        التأمين على حالات التهريب .
4-    التأمين لمصلحة الزانية المسماة ( الخليلة / العشيقة ) ، بحيث تكون هي المستفيدة في حالة وفاة المؤمن له في وثائق تأمينات الحياة .
     والحاصل : أن الأوجه الخمسة السابقة تكشف لنا ـ وبجلاء ـ عن الفروقات الجوهرية بين نمطي العمل التأميني ؛ التكافلي والتجاري ، والحق : إن تظافر هذه الفروقات الفنية بين النظامين ؛ من جهة المرجعية النهائية ، وعلى مستوى العلاقة القانونية ، ثم العلاقة المالية ، ثم الاستثمارية ،    ثم نطاق التغطيات التأمينية ، إن كل هذه الفروقات الجوهرية لتؤكد على سعة التباين بين نظامي التأمين التكافلي الإسلامي والتجاري التقليدي ، ويبقى ادعاء المدعي انتفاء الفرق بين النظامين      ـ رغم كل الفروقات السابقة ـ محض تعسف ومصادرة وتحامل على الحقيقة والواقع .

القسم الثالث : إحصاءات وبيانات حول صناعة التأمين التكافلي الإسلامي

لقد انطلقت صناعة التأمين الإسلامي منذ عام 1979م حيث أنشئت شركة التأمين الإسلامية بالسودان ؛ كرديف استراتيجي لمسيرة بنك فيصل الإسلامي السوداني ، والذي سبقها في التأسيس  عام ( 1977م ) .

وقد تلخصت أهداف الصناعة ـ منذ نشأتها ـ فيما يلي :
1-       هدف خاص : توفير الدعم الفني لمخاطر أعمال المصرف الإسلامي ( بنك فيصل الإسلامي السوداني ) ، وذلك من خلال إيجاد منتجات تأمينية تحمي مسيرة المصرف الإسلامي ، كضرورة اقتصادية معاصرة .
2-       هدف عام : تقديم صناعة التأمين الإسلامي كبديل رشيد عن صناعة التأمين التقليدي ومنتجاتها ، والتحدي : أن يتم تصميم هذا البديل سليما من المخالفات الشرعية ، وخصوصا تلك المخالفات التي اشتمل عليها عقد التأمين التجاري .
ولقد نجحت صناعة التأمين التكافلي في أن تشق طريقها نحو المنافسة وأن تزاحم التأمين التقليدي في أسواقه وبين عملائه ، حتى باتت واقعا ملموسا تُقِرُّ بِهِ صناعة التأمين التقليدي ذاتها .

وأورد فيما يلي إحصاءات وبيانات حول واقع صناعة التأمين التكافلي الإسلامي في المرحلة الحالية ، وهي المسيرة المباركة التي ناهزت الثلاثين عاما منذ انطلاقتها عام ( 1979م ) .










أولا : إحصاءات وبيانات حول صناعة التكافل بصفة عامة :

في حوار أجري مع الأستاذ / محمد النور أحمد .. مدير عام الشركة الوطنية للتأمين التعاوني بالسودان صرح بالبيانات التالية [16] :
- أول شركة تكافلية إسلامية في العالم أسست في السودان عام 1979م .
- عدد شركات التأمين التكافلي تجاوز ( 100 ) شركة تأمين تعاوني وتكافلي وإسلامي .
- منها : 65 شركة في العالم العربي ، والباقي في دول ( آسيا / ماليزيا / ودول أوروبية / ودول في أمريكا وأمريكا اللاتينية ) .

وبسؤاله عن عدد شركات إعادة التأمين التكافلي .. قال أ . محمد النور أحمد : ( لا توجد الآن سوى شركة واحدة يعتمد عليها ، أو شركة كبيرة ، تليها شركة صغيرة كشركة تكافل ري  في الإمارات برعاية البحرين ، وشركة أخرى بست ري ، وهي منتشرة في عدد من الدول ، منها : مصر وتونس ولبنان ) [17] .
ثانيا : إحصاءات وبيانات حول الصناعة بدولة الكويت :
وفي دولة الكويت تأسست أول شركتي تأمين تكافلي عام 2000م ، وهما : الشركة الأولى للتأمين التكافلي ، وشركة التأمين التكافلي ؛ والتي عرفت بعد ذلك باسم شركة " وثاق " .
وفي ( أغسطس 2008م ) وصل عدد شركات التأمين التكافلي ـ المصرح لها بالعمل والمقيدة لدى وزارة التجارة والصناعة ـ إلى ( 12 ) اثني عشر شركة تأمين تكافلية إسلامية .
منها شركة واحدة فقط متخصصة في مجال إعادة التأمين ، حيث تأسست شركة الفجر لإعادة التأمين التكافلي بدولة الكويت ( عام 2007م ) [18] .

ثالثا : إحصاءات وبيانات حول الصناعة بالمملكة العربية السعودية :
وفي المملكة العربية السعودية صدر " نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني " بالمرسوم الملكي رقم ( م/32 ) بتاريخ 2/6/1424هـ .. وقد تضمن النص التالي :
[ المادة الأولى ] : ( تعمل شركات التأمين بالمملكة بأسلوب التأمين التعاوني ... وبما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية ) [19] .
وقد بلغ مجموع شركات التأمين التعاوني بالمملكة ( 23 شركة تعاونية ) ، منها (18) تم الترخيص لها فعليا ، ومنها (5) وافق مجلس الوزراء على تأسيسها ولم تمنح الترخيص حتى الآن [20] .
وفي سياق التقييم الشرعي :
يبدي بعض الفقهاء بالمملكة العربية السعودية تحفظات شرعية على لائحة تنظيم التأمين ، حيث إنها قد تضمنت مخالفات شرعية لا تتفق مع الأسس الشرعية المعتبرة للنظام التكافلي المجاز من قبل الهيئات والمجامع الفقهية الدولية ، وبالتالي فهو نظام تجاري تقليدي وليس نظاما تكافليا إسلاميا ، واللائحة بهذا تكون قد خالفت ـ نظاميا ـ نص المرسوم الملكي الذي تضمن النص الصريح على أن : ( تعمل شركات التأمين التعاوني بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية )[21] .
رابعا : على الصعيد الفكري لصناعة التكافل الإسلامي :

لقد سبقت الإشارة إلى حجم الإسهامات الفقهية الدولية في تطوير وصياغة وضبط صناعة التكافل الإسلامي ، وفي السنوات القليلة الماضية ظهرت عدة مبادرات كريمة وجهود استهدفت الارتقاء بفكر صناعة التأمين التكافلي، ووضع الحلول لأبرز مشكلاتها ؛ سواء الفقهية منها أو الفنية .

ومن تلك الجهود ما يلي :

1-                     إنشاء { رابطة شركات التأمين وإعادة التأمين الإسلامية }[22] ، وهي منظمة متخصصة في التأمين التكافلي أسسها الاتحاد العام العربي للتأمين ، وقد عقد اجتماعها الأول بتاريخ 7/2/2007م .
2-                     إنشاء { مجلس الاتحاد العالمي للتكافل } .. وهو منظمة دولية متخصصة في التأمين التكافلي ، وتضم في عضويتها شركات التأمين التكافلي والتعاوني الإسلامي ، وقد تأسست بالقاهرة بتاريخ 15/1/2007م عبر ملتقى عقد خصيصا لهذه المناسبة ، وقد انتخب لرئاسة المجلس السيد / حسين الميزة .. العضو المنتدب لشركة دبي الإسلامية للتأمين وإعادة التأمين ( أمان ) .
3-                     عقدت شركة وثاق للتأمين التكافلي بدولة الكويت ندوتين فقهيتين على مدى سنتين ( 2006/2007م ) ، وقد خصصت لبحث مسائل وقضايا فقهية في مجال التأمين التكافلي ، كما استهدفت تقديم المعالجات والحلول الفقهية والفنية بشأن القضايا والمشكلات المطروحة[23] .





المحور الثاني : الإنجازات وجوانب القوة

لقد حققت صناعة التأمين التكافلي العديد من الإنجازات على الصعيدين الفني والشرعي ؛ الكلي والجزئي ، ويمكننا بيان إنجازات صناعة التأمين التكافلي وجوانب الجودة فيها من خلال جملة من العناصر ، فسأوردها مجملة ثم أعود إلى تفصيلها تباعا .

وتتمثل الإنجازات وجوانب القوة لصناعة التأمين التكافلي في العناصر التالية :

أولا : إثبات بقاء الخيرية في الأمة الإسلامية .
ثانيا : المساهمة في تجديد الدين والإنكار العملي لمنكر الربا والمخالفات الشرعية في التأمين .
ثالثا : المساهمة في ترسيخ ظاهرة " الاقتصاد الديني " في المجتمعات الإسلامية .
رابعا : المنافسة الميدانية لسوق التأمين التجاري .
خامسا : بناء خبرات وكوادر تأمينية ملتزمة .
سادسا : استكمال مكونات " الطائر الإسلامي " .
سابعا : نافذة ثرية نحو تطوير منتجات تكافلية إسلامية جديدة .
ثامنا : الأثر الاقتصادي الكلي بالغ الخطورة لصناعة التأمين التكافلي .
تاسعا : إصدار المعيار الشرعي ( 26 ) والمحاسبي ( 12 ) في التأمين التكافلي الإسلامي :

أولا : إثبات بقاء الخيرية في الأمة الإسلامية :

فإنه على الرغم من توالي حملات التشكيك والإرجاف التي احتفت بتطبيقات الاقتصاد الإسلامي ـ منذ نشأتها ـ عموما وبالتأمين التكافلي خصوصا إلا أن هذه التطبيقات الإسلامية المباركة أثبتت اتساع مساحة الخيرية والالتزام في الأمة الإسلامية المرحومة ، إذ إن الحس الإسلامي لدى الشعوب الإسلامية كان له أبلغ الأثر في دعم وإنجاح مسيرة مؤسسات الاقتصاد الإسلامي بصفة عامة والتأمين التكافلي بصفة خاصة .
وقد تكاثرت الشواهد والأدلة العملية الدالة على صدق هذه الحقيقة المعاصرة ، ولقد قمنا بدراسة الأسباب الباعثة على تأسيس المصارف الإسلامية خلال مرحلة الريادة ( 1975-1980م ) فألفيناها دالة بصدق على هذه الحقيقة ، كما صرحت بذلك بعض المذكرات الإيضاحية لقوانين المصارف الإسلامية في بعض الدول الإسلامية [24] .

ثانيا : المساهمة في تجديد الدين والإنكار العملي لمنكر الربا والمخالفات الشرعية في التأمين :

يُعَرَّف " تجديد الدين " بأنه : " اسم جامع لكل ما يحقق الشريعة في واقعها وينفي ما يخل بها " [25] ، وإن من أجل ثمرات تجربة التأمين التكافلي أنها جَدَّدَت ـ نظريا وعمليا ـ الإيمان بكمال الشريعة وقدرتها على استيعاب المستجدات المعاصرة وتقديم البدائل المكافئة لها ، وذلك دون الإخلال بضوابط الشريعة الإسلامية في مجال المعاملات المالية ، فهذا تجديد اعتقادي ، وأما التجديد العملي فيتجلى أثره من واقع تفحص الإنجازات التالية .

وقد كان من أبرز مظاهر التجديد ما يلي :
1-                     تعزيز الاعتقاد الجازم بكمال الشريعة وقدرتها على استيعاب المستجدات وتقديم البدائل على اختلاف الزمان والمكان والأحول ، فقد قدمت صناعة التأمين التكافلي البرهان العملي على إمكانية توفير خدمات التأمين في إطار شرعي مكافئ ومنافس ، ودون أن تحفه المخالفات الشرعية التي يَعُجُّ بها نظام التأمين التجاري . 
2-                     كما استطاعت صناعة التأمين التكافلي أن تكشف النقاب عن الحكم الشرعي لنموذج التأمين التجاري ؛ وهو " التحريم " وذلك بصورة عملية ملموسة ، وخلافا لما كان عليه الحال حينما كانت تطرح نظرية المنع والتحريم مجملة ؛ ودون أن يكون لها ما يميزها في واقع التعامل بين الناس ، إذ بالأضداد تتميز الأشياء ، وبهذا تكون الصناعة التكافلية أثمرت الإسهام الضمني في عملية الإنكار العملي للتعامل بمنكر الربا والغرر الفاحش وسائر المخالفات الشرعية التي يقوم عليها نظام التأمين التجاري ( التقليدي ) .









ثالثا : المساهمة في ترسيخ ظاهرة { الاقتصاد الديني } في المجتمعات الإسلامية :

لقد كان لصناعة التأمين التكافلي ـ إلى جانب المصارف وشركات الاستثمار الإسلامية ـ دورها البارز في ترسيخ مرجعية الشريعة الإسلامية وحاكميتها على كافة التعاملات المالية ، بحيث تكون الشريعة مقدمة الاعتبار على كافة الأعراف التجارية والأنظمة التقليدية الوضعية ، وهو ما يمكن تسميته بظاهرة { الاقتصاد الديني } ، والتي باتت ظاهرة تنتشر ـ بحمد الله ـ في مختلف الاقتصاديات الإسلامية والعربية المعاصرة .
ذلك أن الخاصية الأهم التي تنفرد بها شركات التأمين التكافلي عن مثيلاتها التقليدية أنها تستمد مشروعية أعمالها وعملياتها من مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية الغراء ، وذلك طبقا لما هو منصوص في عقد تأسيسها ونظامها الأساسي .. وعليه فإن هذا المعيار الاستراتيجي { الالتزام بالشريعة الإسلامية } يشمل كافة أعمال شركة التأمين التكافلية ؛ بدءا من إعداد وصياغة وإصدار وثائق التأمين ، وتحديد شروط وضوابط التعويضات ، وقواعد توزيع الفائض التأميني ، ومجالات وأساليب استثمار أموال التأمين ، بالإضافة إلى عموم الجوانب الإدارية والمالية والتسويقية ، كما يشمل أيضا النظم واللوائح والأخلاقيات العامة بالمؤسسة ، فإن جميع تلك المحاور ووحدات العمل يجب أن لا تخرج في ممارسة أعمالها وأنشطتها عن الالتزام بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية .
ومن هنا جاءت ركيزة { الفتوى والرقابة الشرعية } [26] لتمثل الضمانة العملية لالتزام شركة التأمين التكافلي بالضوابط الشرعية وعدم مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية ، كما جرى العرف ـ والتقنين أحيانا [27] ـ على تمييز سلطة الهيئة الشرعية ورفع صلاحياتها لتربو على صلاحية الإدارة ومجلس الإدارة ؛ كنتيجة لتعيين الهيئة بواسطة الجمعية العامة ، وهو ما يعرف بمبادئ { الإلزام }    و { الاستقلالية } .
وعلى هذا فإنه يمكننا القول بأن وجود الهيئات المعاصرة للفتوى والرقابة الشرعية قد بات من أركان المؤسسة المالية الإسلامية ، إذ إن وجود هذه الهيئات لتمارس دورها في الرقابة والإفتاء الشرعيين ليمثل الضمانة الشرعية الوقائية للتأكد من مدى مطابقة أعمال المؤسسة المالية لأحكام الشريعة الإسلامية قبل وأثناء وبعد تنفيذ المنتج أو المعاملة ، وليحصل الاطمئنان والثقة ـ ولو بغلبة الظن ـ بموافقة هذه المعاملات المالية لمرضات الله تعالى في الدنيا والآخرة ، وذلك بواسطة جهة شرعية متخصصة في فقه المعاملات المالية تقوم بمهمة { حفظ أعمال المؤسسة المالية عن المخالفات الشرعية } ، وذلك عملا بقول الله تعالى : {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}[28] .
     وبهذا تتلخص الأهمية الشرعية لركيزة الهيئات الشرعية فيما يلي :
1.          إنها وسيلة لتحصيل مرضات الله ورحمته واتقاء نقمته وعذابه ، وذلك بتحقيق حفظ أعمال المؤسسات المالية عن المخالفات الشرعية .
2.          صون التجربة المالية الإسلامية عن الانحراف والفساد ؛ لتواصل تحقيق نجاحاتها كبديل شرعي عن النظم المالية الوضعية .
3.          إن وجود الهيئات الشرعية يمثل إحدى تطبيقات فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتبارها فريضة شرعية يتعين على المكلفين لزومها والأخذ بها والعمل بمقتضاها ، كما أنها تحقق معنى التعاون على البر والتقوى في لزوم المأمور وترك المحظور .

والخلاصة : إن شركات التأمين التكافلي قد أسهمت وبكفاءة في ترسيخ وتكريس مبدأ الالتزام الشرعي في التعاملات المالية داخل المؤسسة الإسلامية ، وفي ذلك نقض صريح وإنكار عملي لمبدأ العلمانية ؛ والتي تنادي بإقصاء الدين عن الحياة ، فضلا عن السوق والمعاملات المالية .

رابعا : المنافسة الميدانية لسوق التأمين التجاري :

لقد نجحت صناعة التأمين التكافلي تدريجيا في اقتحام ميدان المنافسة ـ نسبيا ـ ، وذلك من خلال نجاح خبراء التأمين الملتزمين شرعيا في تطوير نظام فني ( مركب من مجموعة علاقات مالية وقانونية ) يقدم خدمات التأمين كأحد الاحتياجات الضرورية في العصر الحديث ، مع الالتزام بأن يكون هذا النظام التأميني المبتكر لا يتضمن ما يخالف الشريعة الإسلامية ، وخصوصا تلك المخالفات الشرعية التي تلبس بها نظام التأمين التجاري .
ولا أدل على ثبوت المنافسة بين النموذجين ( التكافلي الإسلامي والتجاري التقليدي ) من قيام شركات التأمين التقليدي بممارسة التحول نحو الالتزام بالشريعة الإسلامية ، وقد أخذ ذلك التحول صورا وأساليب متعددة ، ونشير إلى أصول عمليات التحول نحو الالتزام بالشريعة على النحو التالي :
أ / التحول الكلي : ومعناه أن تعيد الشركة تصميم عقد التأسيس والنظام الأساسي بحيث ينص فيهما على : أنها تلتزم في كافة أعمالها وعملياتها بأحكام الشريعة الإسلامية ، ومثاله في التأمين : شركة وربة للتأمين الصحي بدولة الكويت .
ب/ التحول الجزئي : ومعناه أن تقوم الشركة التقليدية بتقديم خدمات تأمين تكافلية إسلامية إلى جانب خدماتها التقليدية الأصلية ، وهو ما تُسَوِّقُه بعض الشركات التقليدية ( الربوية ) في عدد من دول الخليج مستغلة الشعار الإسلامي ، وذلك في إطار من الغفلة تارة والعجز تارة أخرى من قبل جهات الإشراف والرقابة على التأمين في الدولة .
وعلى صعيد آخر : فقد صرحت بعض الشركات الغربية العالمية ـ في مجال التأمين وإعادة التأمين ـ وتلبية لرغبة عملائها في العالم العربي فإنها ستقدم خدمات التأمين الإسلامي .
ج / التحول الموازي : ويعتبر هذا الأسلوب من أكثر أساليب التحول تطبيقا لدى شركات التأمين التقليدي ، حيث تقوم بالمشاركة في تأسيس شركات تكافلية تعمل وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية ، وغرضها من ذلك : الاستفادة الربحية من شريحة العملاء الملتزمين شرعيا والذي لا يمكن للشركة التقليدية أن تصل إليهم .
ولقد تعددت الشواهد والأمثلة على هذه الظاهرة ، والتي باتت تعرف باسم " تحول المؤسسات التقليدية نحو الالتزام بالشريعة الإسلامية " ، وسأذكر نماذج منها تؤكد ما أسلفناه .

أ / قامت شركة الأريج ( بمملكة البحرين ) ـ وهي شركة تأمين وإعادة تأمين تقليدية ـ بتأسيس شركة إعادة تأمين إسلامية باسم { تكافل ري } ، كشركة تابعة ومقرها دولة الإمارات العربية المتحدة ، حيث تمتلك الأريج فيها حوالي ما نسبته ( 59 % ) ، ويعزو خبراء الصناعة الخطوة الاستراتيجية لشركة الأريج إلى النمو المضطرد لسوق التكافل الإسلامي بمنطقة الخليج من جهة ، هذا إلى جانب مخاطر وإشكالات مالية أخرى واجهتها الشركة .
ب / قامت شركة البحيرة للتأمين بالإمارات العربية المتحدة ( الشارقة ) بتأسيس شركة تأمين تابعة تعمل وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية ، وذلك كأسلوب آمن من أساليب التحول .
ج / ومن الأمثلة على هذا النمط من التحول قيام عامة شركات التأمين التقليدي ( التجاري ) بدولة الكويت بتأسيس شركات تأمين تكافلية ( إسلامية ) بحصص ملكية متفاوتة .
ولا شك أن فيما ذكرناه شهادة صدق وبَيِّنة ظاهرة على اشتداد رحى المنافسة بين صناعتي التأمين التكافلي ( الإسلامي ) والتجاري ( التقليدي ) في العديد من الدول الإسلامية ، وخصوصا في منطقة الخليج العربي .

خامسا : بناء خبرات وكوادر تأمينية ملتزمة :

إن تمايز الفروقات الجوهرية بين نموذجي التأمين التقليدي ( التجاري ) والتكافلي ( الإسلامي ) أدى إلى بروز نخبة من خبراء التأمين وكوادره الفنية الذين يحملون قيمة الالتزام الشرعي في تصميم وتقديم خدمات


ومنتجات التأمين ، وقد يبشرون بها ويدعون إليها ؛ الأمر الذي كان معدوما أو مفقودا إبان سيادة التطبيق التقليدي للتأمين في مختلف البيئات الاقتصادية [29] .
والحق أن المزاوجة بين الخبرة التأمينية والالتزام الشرعي باتت ظاهرة تتنامى تبعا لتزايد وانتشار شركات التأمين وإعادة التأمين التكافلي ، ولا شك أن التنوع والثراء في آليات التطبيق التكافلي ومدارسه الفنية ـ لاسيما على صعيد الصناعة التكافلية في العالم الإسلامي ـ قد أدى إلى صقل خبرات وتطوير كوادر ومهارات تحمل رسالة التكافل وتبشِّر بها ، وتحرص على تنقيحها وتنقيتها باستمرار ؛ باعتبارها نمطا من أنماط الفكر الاقتصادي الإنساني الملتزم بأحكام الشريعة الإسلامية .

سادسا : استكمال مكونات { الطائر الإسلامي } [30] :

إن مما لا نزاع فيه بين الاقتصاديين أن صناعة التأمين تُعَدُّ ضرورة حتمية ضمن هيكل النظام الاقتصادي الحديث ، بل إنها تعتبر من أبرز الصناعات المالية المعاصرة ؛ والتي تؤثر بصفة استراتيجية في حماية الصناعات المالية الأخرى ، بل والاقتصاد ككل ، ولما نشأت المؤسسات المصرفية والاستثمارية الإسلامية فقد احتاجت إلى ظهر يحميها من مخاطر العمليات المالية والتجارية التي تزاولها .
وتأسيسا على هذه الحقيقة الاقتصادية الأكيدة فقد نهضت صناعة التأمين التكافلي ( الإسلامي ) لتقدم الدعم الاستراتيجي لنجاح منظومة الاقتصاد الإسلامي فيما نسميه بنموذج { الطائر الإسلامي } ، وذلك من خلال بناء الركيزة الثالثة من ركائز الاقتصاديات الحديثة ( القطاع المصرفي / قطاع الاستثمار / قطاع التأمين ) ، فقد بقيت المؤسسات المصرفية والاستثمارية الإسلامية تعاني من ارتفاع مخاطر أعمالها وعملياتها التي من المفترض أن تغطيها شركات التأمين ، ولما كانت صناعة التأمين محتكرة من قبل النظام التقليدي ؛ والذي يقوم على أسس لا تتفق مع الشريعة الإسلامية ، فقد سَبَّبَ ذلك حرجا شرعيا وأوجد مخاطر نوعية هددت مسيرة المؤسسات الإسلامية رَدْحا من الزمان ، ولا شك أن نمو وانتشار صناعة التأمين التكافلي كبديل ومنافس في آن واحد ، كان له الفضل في تخفيف حدة المخاطر التي تتعرض لها المؤسسات الإسلامية في مختلف منتجاتها وعملياتها ، الأمر الذي قدم دعما استراتيجيا لنمو { الطائر الاسلامي } واتساع نطاق أعماله ومنتجاته ، وفق خطى أكثر ثباتا وأقل مخاطر مما سبق .
ومثال ذلك : عدم قدرة المصارف ومؤسسات التمويل الإسلامي على الاستفادة من الأهمية الاستراتيجية لمنتج " التأمين على الديون " زمنا طويلا ؛ وذلك بسبب كونه منتجا يقدم في إطار تقليدي تتزاحم فيه المخالفات الشرعية ، وبطبيعة الحال فإنه لا يجوز للمؤسسة الإسلامية ( بنكا / شركة استثمار ) أن تتعامل بمثله إلا في حدود الضرورة القصوى ، ولاشك أن قيام شركات التأمين التكافلي لتقدم منتج التأمين على الديون الإسلامية قد حَجَّم مستوى الخطر الذي كان يُهدِّد الديون الإسلامية ؛ نتيجة تحقق خطر الوفاة أو العجز الكلي للعميل المدين .


سابعا : نافذة ثرية نحو تطوير منتجات تكافلية إسلامية جديدة :

لقد أدى الوعي الفقهي المعاصر بآليات التأمين التكافلي وتصميم منتجاته إلى بعث الفكر الفقهي نحو تطوير منتجات تكافلية منافسة للتأمين التقليدي ؛ بحيث تتداخل فيها آليات صناعة التأمين مع آليات مالية إسلامية أخرى في الفقه الإسلامي .
ومثال ذلك : منتج { التأمين على الحياة } حيث استطاع الفقه الإسلامي المعاصر أن يطور نموذجا لتأمينات الحياة يقوم على أساس مركب يجمع بين ( الاستثمار والتكافل معا ) ، وذلك بعد دراسة النموذج التقليدي وتشخيص مواقع الخلل والمخالفات الشرعية فيه ، ثم الخلوص إلى تصميم نموذج يحقق للعملاء هذه الحاجة التأمينية وفي الوقت ذاته بصورة تتفق مع مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية .
وقد تمت دراسة ومناقشة " نموذج التأمين التكافلي على الحياة " وضوابطه الشرعية في عدد من الندوات الفقهية المعاصرة ، وتم التوصل إلى إصدار قرارات تقضي بجواز نموذج التأمين التكافلي على الحياة بشروط وضوابط محددة [31] .

وفي المرحلة الحالية :
يتطلع الفقه الإسلامي المعاصر وبجدية نحو البحث في مدى إمكانية الاستفادة من آليات التأمين التكافلي والمزاوجة بينها وبين آليات نظام الوقف في الفقه الإسلامي ، وهناك بعض المحاولات البحثية والتطويرية في هذا الاتجاه ، بيد أنها لم تُستكمل أو تُطرح عمليا حتى الآن [32] .




ثامنا : الأثر الاقتصادي الكلي بالغ الخطورة لصناعة التأمين التكافلي :

إن من أجل العوائد والمزايا ـ الاستراتيجية على المستوى الكلي ـ التي حققتها صناعة التأمين التكافلي ـ ولا زالت ـ كونها نجحت في تعزيز مسيرة ونمو { الطائر الإسلامي } كاقتصاد كلي من جهة ، كما أنها في المقابل قَلَّصَت أو زاحمت حصة { الطائر التقليدي } في الأسواق المحلية .
ولأهمية هذا الملحظ من جهة ، ولخفائه على عامة المشتغلين في مجال التأمين التكافلي من جهة أخرى فسأعتني بإيضاحه وبيانه على النحو الآتي :
لما كان صناعة التأمين عموما ( التكافلي الإسلامي / التجاري التقليدي ) إنما تقوم على استقطاب الأقساط ( الاشتراكات ) المالية من العملاء ، فهي بطبيعة الحال تستحوذ على نصيب غير قليل من المدخرات القومية ، وبالتالي فهي تعتبر من الأوعية المالية المنافسة لودائع البنوك ، وذلك من جهة حيازة المدخرات القومية وإعادة توظيفها ، وهذا ما يفسر لنا خضوع شركات التأمين في بعض الدول إلى رقابة البنوك المركزية ومؤسسات النقد فيها ؛ كسلطة رقابية عليا تراقب مدخرات التأمين وتنظم أحكام توظيفها وتضبط مخاطرها .
وإن حيازة مؤسسات التأمين التكافلي لتلك المبالغ المالية الطائلة يعني بالضرورة حرمان مؤسسات التأمين التقليدي منها ؛ والتي بدأت بسبب المنافسة مع الصناعة التكافلية تفقد معدلات متزايدة من الأقساط التأمينية المعتادة ، فهذه إيجابية شرعية واقتصادية أولية ، ثم إن مؤسسات التأمين التكافلي ستقوم حتما باستثمار وتنمية تلك المدخرات ( الاشتراكات التكافلية ) ،     وبطبيعة الحال فإن عمليات استثمارها وتوظيفها ـ وبموجب الالتزام الشرعي للشركة التكافلية ـ لن يكون إلا من خلال أوعية استثمارية لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية ، مما يعني بالضرورة حجب تلك المدخرات عن القطاع التقليدي ( الربوي ) بجميع تطبيقاته المصرفية والاستثمارية ،   وتوجيهها نحو القطاع الإسلامي بجميع تطبيقاته المصرفية والاستثمارية ، وهذا من شأنه تعزيز مسيرة { الطائر الإسلامي } على حساب خفض حصة الطائر التقليدي الربوي في الاقتصاد المحلي ،    وهذه إيجابية شرعية واقتصادية ثانية ، وأما ثالثة المصالح والإيجابيات فإن شركات التأمين التكافلي عند عجزها من جهة السيولة فإنها ـ وطبقا لالتزامها الشرعي ـ ستلجأ إلى مصادر تمويل لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية ، وهذا يعني أنها ستعزز الأداء الكلي لمسيرة المصارف ومؤسسات التمويل الإسلامي على حساب تخفيض الطلب على إجمالي التمويل والائتمان التقليدي ( الربوي ) . 



وإن هذه الثلاثية الاقتصادية التفاعلية بين صناعة التأمين التكافلي و { الطائر الإسلامي }  يمكن تلخيصها في المناحي التالية : حفظ الأقساط التكافلية ، وتوظيف واستثمار تلك الأموال ،     ثم معالجة أية عجوزات مالية لديها بتمويلات إسلامية .
والحق أنه لو لم يكن لصناعة التأمين التكافلي من محاسن سوى أنها حجبت حصة كبيرة   من المدخرات القومية عن الاستثمار والتوظيف في الأوعية الربوية ـ لاسيما لدى البنوك الربوية ـ لكفى بذلك إنجازا وتصحيحا على المستوى الاقتصادي الكلي ، كيف وهي قد أضافت      إلى الثلاثية السابقة كونها تحمي وتؤمن المسيرة الكلية الواعدة لنمو { الطائر الإسلامي } ؛    محليا وإقليميا وعالميا .
ويمكننا التدليل على هذه الحقيقة الاقتصادية بالشواهد التالية :
أ / لقد كانت هذه الحقيقة الاقتصادية سببا رئيسا في تأسيس أول شركة تأمين إسلامية بجمهورية السودان ( عام 1979م ) ، وقد جاء ذلك عقب تأسيس بنك فيصل الإسلامي السوداني ( 1977م ) بنحو بضعة عشر شهرا ، حيث احتاج مسؤولوا البنك الإسلامي إلى خدمات التأمين ، ولم تكن ثمة سوى شركات تقليدية مما جعل الفتوى الشرعية تجيز التعامل مع التأمين التجاري بصورة مؤقتة للضرورة ، مع إلزام الجهات المعنية بالبنك بالسعي نحو إيجاد البديل الإسلامي ؛ الأمر الذي أثمر تأسيس أول شركة تأمين تكافلية إسلامية بجمهورية السودان .
ب / وتأكيدا على الحقيقة التفاعلية نفسها فقد قام البنك الإسلامي للتنمية باستكمال متطلبات العمل المالي والتجاري لديه ليصبح مجموعة البنك الإسلامي للتنمية ، وقد كان من أبرز تلك المتطلبات قيامه بإنشاء الذراع التأميني له باسم " المؤسسة الإسلامية لتأمين الاستثمار وائتمان الصادرات " ، وقد كان ذلك عام ( 1415هـ / 1994م ) [33] .
ج /  ومن شواهد هذه الحقيقة .. قيام البنوك الإسلامية الكويتية بتأسيس الشركات التكافلية التابعة لها بالكامل ، وعلى الصعيد الآخر قامت مجموعات التمويل والاستثمار الإسلامي بدولة الكويت بتأسيس شركات تكافلية إسلامية تابعة لها أيضا .

تاسعا : إصدار المعيار الشرعي ( 26 ) والمحاسبي ( 12 ) في التأمين التكافلي الإسلامي :

إن من بين النجاحات التي حققها الاقتصاد الإسلامي المعاصر تمكنه من إصدار معيارين دوليين بشأن صناعة التأمين التكافلي الإسلامي ، حيث صدر ابتداء المعيار المحاسبي الإسلامي الدولي رقم ( 12 ) والخاص بالتأمين التكافلي ، ثم تبعه بعد ذلك إصدار المعيار الشرعي الدولي الخاص بالتأمين الإسلامي رقم ( 26 ) ، وقد تولى زمام هذا الإنجاز الكبير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية والمجلس الشرعي بمملكة البحرين .
وقد تحدث المعياران الدوليان رقم ( 12 ) ورقم ( 26 ) عن تفاصيل مهمة في الصناعة ، حيث صُدِّرت بتقديم ضاف شرح طبيعة نظام التأمين التكافلي ، ومما ورد في مقدمة المعيار المحاسبي الدولي رقم ( 12 ) ما يلي : ( وثمة مبررات عديدة تقضي بضرورة وضع معيار خاص لصناعة التأمين التكافلية ، فمن ذلك الاتجاه الملحوظ لدى المستثمرين في العالم الإسلامي نحو التخلص من صيغ التأمين الغربية واستخدام صيغ التأمين الإسلامية المبينة على التكافل والخالية من الاحتمال ( الغرر ) الذي بنى عليه التأمين التقليدي الغربي . لذلك أخذت شركات التأمين الإسلامية في التطور والانتشار وذلك لازدياد حاجة المجتمعات الإسلامية لوظيفة التأمين الإسلامي .
وإن تزايد أعداد شركات التأمين الإسلامية من ناحية ، وافتقار هذه الصناعة لمعايير محاسبية موحدة تنظم عمليات الإثبات والقياس والعرض والإفصاح في القوائم المالية المنشورة من ناحية أخرى ، أدى إلى الحاجة للبدء في إعداد معايير للشركات ، هذا وقد أظهرت الدراسة الأولية اختلاف طرق العرض ودرجات الإفصاح في القوائم المالية للعديد من الشركات ، كما أكدت هذه الدراسة الحاجة إلى الإفصاح في القوائم المالية عن العديد من المعلومات المتعلقة بأمور هامة قد يكون لها تأثير على قدرة المستفيد من القوائم المالية على استخدامها كأساس لاتخاذ قرارات تعود بالنفع عليه وفقا لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية ، فلجميع المبررات السابقة قرر مجلس معايير المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية البدء بإعداد هذا المعيار المحاسبي الإسلامي رقم ( 12 ) والذي تم تخصيصه لأعمال شركات التأمين التكافلي ) .

المحور الثالث : التحديات وجوانب الضعف

إنه على الرغم من النجاحات المتواصلة والنمو المضطرد لصناعة التأمين التكافلي واتساع تطبيقاتها المعاصرة بدءا من تأسيس أول شركة تأمين إسلامية في السودان عام 1979م وإلى أن ناهز عمر هذه الصناعة الثلاثين عاما من العمل الواقعي والتجربة الميدانية ، إلا أن صناعة التأمين التكافلي لا زالت تواجه جملة من التحديات الاستراتيجية والتي تهدد مستقبل الصناعة ما لم يتم تطوير حلول شرعية وأدوات فنية من شأنها دعم هذه الصناعة وتأمين مسيرتها الواعدة .
ولقد قدمنا في المحور الثاني ـ من هذه الدراسة ـ بيان الإنجازات وجوانب الجودة التي أثمرتها صناعة التأمين التكافلي ، وفي هذا المحور ـ وفي سياق هدف التقييم لتجارب وتطبيقات التأمين التكافلي ـ نعرض إلى جملة من التحديات وجوانب القصور في هذه الصناعة ـ من وجهة نظري ـ ، والتي تتطلب العمل الجاد لاستكمال نواقصها ومعالجة ما يشوبها من عجز ويعتريها من خلل .

ويمكننا تلخيص أبرز التحديات وجوانب الضعف والقصور فيما يلي :

أولا : غياب التشريع ( القانون ) المنظم لصناعة التأمين التكافلي الإسلامي .
ثانيا : صورية " هيئة المشتركين " في الشركة التكافلية .
ثالثا : غياب معيار شرعي خاص في " الضوابط الشرعية للتغطيات التأمينية " .
رابعا : ضعف مهام التفتيش والرقابة الشرعية اللاحقة .
خامسا : ضعف التأهيل الشرعي لدى منسوبي شركات التأمين التكافلي .
سادسا : حول إعادة التأمين التكافلي الإسلامي .
سابعا : غياب الهيئة العليا للتأمين التكافلي الإسلامي .
ثامنا : الأخلاقيات المهنية في شركات التأمين التكافلية .

أولا : غياب التشريع ( القانون ) المنظم لصناعة التأمين التكافلي الإسلامي :

إن من أبرز التحديات التي تواجهها شركات التأمين التكافلي أنها تخضع في ترخيصها وأعمالها ومنتجاتها الإسلامية إلى قانون التأمين التجاري ( التقليدي ) ، والمعمول به سلفا في مختلف البيئات الاقتصادية ، وإن هذه الحال تخالف منطق التنظيم السليم للأنشطة المؤسسية المتباينة ، لاسيما وأننا قد أوضحنا ـ فيما سبق ـ أن لصناعة التأمين التكافلي طبيعتها الخاصة ، كما كشفنا عن عدة فروقات فنية جوهرية تمايز بين النموذجين ( قانونيا وماليا واستثماريا وتأمينيا ) ، وبالتالي فإن إدراج الشركات التكافلية تحت أحكام التشريع التقليدي ( قانون / لائحة ) فيه مناقضة كبيرة لأهداف التكافل وغاياته ، وقد يؤدي ذلك إلى تحميل صناعة التكافل مخاطر قانونية لا تُحمَد عقباها ، وخصوصا أن القضاء ( الوضعي ) سيُجري أحكامه على أساس المنطق التجاري ( التقليدي ) السائد ؛ ودونما اعتبار للاختلافات الجوهرية بينه وبين النموذج التكافلي الإسلامي .
وتتمثل هذه الإشكالية في كون القضاء ينظر إلى شركات التأمين التكافلي على أنها ذات أغراض ومقاصد تجارية ( ربحية ) محضة ، تماما مثل التأمين التجاري ، وهذا مخالف لواقعها الفني ، إذ إن فلسفة التكافل وآثارها الفنية والتي ينتج عنها الفائض التأميني القابل للتوزيع على المشتركين ، لاشك أن هذه العملية لا يجوز مساواتها بشركة التأمين التجاري ( التقليدي ) ، والتي تتمحض أهدافها في تحقيق الربحية المحضة للمساهمين ( الملاك ) لا غير .
والواقع أن شركات التأمين التكافلي تتخذ تدابير قانونية عملية لمعالجة مثل هذه الإشكالية ، ومن أبرز التدابير المتبعة في ذلك ما يلي :  
1-       العناية بزيادة البيان والتنصيص على الشروط والضوابط التي تقلل من صلاحية القضاء  في تطبيق نصوص قانون التأمين التجاري ، حيث إن القانوني عند صياغته للوثيقة     فإنه يستفيد بأكبر صورة من تفعيل مبدأ " القواعد القانونية المكملة " ، والتي تتيح للطرفين تحديد الحقوق والالتزامات دون المصادمة أو الإخلال بنص قانوني معين ،   وهو ما يعرف بالقواعد القانونية الآمرة ، فإن إرادة المتعاقدين تنعقد على ما اتفاق عليه ؛ ما لم تخالف إحدى القواعد القانونية الآمرة ، فإن وقع التعارض فتقدم القاعدة الآمرة ، ولا عبرة باتفاق الطرفين على مخالفتها ، ومن هنا يلجأ القانونيون إلى تصميم الوثائق التكافلية في إطار من التحرك الحر في حدود القواعد القانونية المكملة .
2-       اللجوء إلى نظام التحكيم ( الشرط / المشارطة ) كبديل استراتيجي عن إشكالات التقاضي أما القضاء التجاري العادي ، لاسيما وأن التحكيم يُعَدُّ أداة فعالة للفصل في المنازعات بطريقة عملية تتفوق على أسلوب التقاضي التقليدي بمزايا كثيرة ، من أهمها : اختصار زمن التقاضي ، وسرية المعلومات ، وقلة التكاليف نسبيا ، إلى جانب منع اللّدَد والشقاق في الخصومة ... الخ ، حتى أطلق عليه " القضاء البديل " ، ووصفه آخرون بأنه " العدالة المرنة " ، حيث يبدأ التحكيم باتفاق الطرفين ثم التقاضي ثم إصدار الحكم .
وإن من أجل وأعظم مزايا التحكيم بالنسبة لشركات التأمين التكافلية أنه يجنبها التحاكم إلى القوانين الوضعية للتأمين التجاري ( التقليدي ) ، وما يستتبعه ذلك من إشكالات شرعية وفنية ، بحيث يتيح التحكيم لطرفي النزاع أن يتفقا على أن تكون المرجعية النهائية لفض الخصومة تنحصر في إطار الشريعة الإسلامية الغراء لا غير .
وإنه على الرغم من جودة وسيلة التحكيم كأداة بديلة عن القضاء العادي في حل المنازعات بالنسبة لشركات التأمين التكافلي ، وعلى الرغم من كون " شرط التحكيم " منصوصا عليه في جميع عقود ووثائق التأمين التكافلي ؛ إلا أن هذه الوسيلة الاستراتيجية لازالت معطلة وغير معمول بها لدى شركات التأمين التكافلي ، وسبب ذلك يعود إلى ضعف ثقافة التحكيم بصفة عامة ، إلى جانب قناعة المستشارين القانونيين والمحامين بأن القضاء العادي ( التقليدي ) عادة ما يناوئ الأحكام التحكيمية ، وقد يُهَمِّشُها ولا يعترف بها ، الأمر الذي سيجعل اللجوء إليه في ظل تدني ثقافة التحكيم في المجتمع مخاطرة قانونية قد يكون لها تبعاتها المالية على الشركة ، يضاف إلى ذلك أن منطق التحكيم يكاد أن يكون غريبا مستوحَشا بالنسبة إلى عموم دارسي الحقوق ، وربما لم يسمع به طوائف منهم أصلا ؛ مما يجعل الإقدام على الأخذ به وتفعيله في الأقضيات التكافلية أمرا مهيبا و غير مألوف  .
والحق أن الواجب على السادة / المستشارين القانونيين أن يفعِّلوا أداة { التحكيم } ، وأن يعملوا على تطبيقها ولو تدريجيا ، فإن في ذلك خروجا من مظاهر التعسف والمصادرة التي تنتج عن الفصل في الدعاوى التكافلية على أساس القانون التجاري ( الوضعي ) .
ويبقى بعد ذلك : أن الواجب على شركات التأمين التكافلي في كل دولة أن تسعى جاهدة نحو استصدار تشريع ( قانون / لائحة ) ينسجم مع طبيعتها ويلائم مرجعيتها النهائية المتمثلة بالشريعة الإسلامية ، ويأخذ بعين الاعتبار الفروقات الفنية الجوهرية وأثرها على واقع وإجراءات التعامل بين العملاء ( المؤمن لهم ) والشركة التكافلية ، وذلك أسوة بالإنجاز الذي حققته المصرفية الإسلامية من استصدارها لقوانين خاصة تنظم أحكام البنوك الإسلامية في نحو بضعة عشر دولة إسلامية [34] .

ثانيا : صورية " هيئة المشتركين " في الشركة التكافلية :

لقد تقدم معنا بيان أن نظام شركة التأمين التكافلي يقوم على أساس وجود حسابين ماليين منفصلين ؛ أحدهما : " حساب المشتركين " ويعرف بصفته القانونية باسم : ( هيئة المشتركين ) ، بينما الحساب الآخر هو " حساب المساهمين " ، ويعرف بصفته القانونية باسم ( هيئة المساهمين ) ، حيث تنشأ بين الحسابين مجموعة من العلاقات المالية المركبة بين الربحية والتكافلية ، وقد عرضنا تفصيلها وبيان الموقف الشرعي منها هناك .
وتنص الأنظمة الأساسية لشركات التأمين التكافلي على مصطلح ( هيئة المشتركين ) ويقصد بهذا المصطلح : الشخصية الاعتبارية المكونة من مجموعة حملة الوثائق ( المؤمن عليهم ) سواء كانوا مجموعة الأشخاص الطبيعيين ( الأفراد ) أو المعنويين ( المؤسسات ) من حاملي وثائق التأمين التكافلي والذين يتمتعون بالتغطيات التأمينية ، والملتزمين بموجبها بأداء الاشتراكات التكافلية ( الاشتراكات ) لصالح شركة التأمين ( حساب المشتركين ) .
وإن من التحديات التي تواجه صناعة التكافل الإسلامي ما يمكن أن نسميه { الصورية القانونية لهيئة المشتركين } ، فإن هيئة المشتركين كمصطلح قانوني أصيل في صناعة التأمين التكافلي وإن كان له أثره المالي الواضح فيما يعرف بمبدأ " الفصل المحاسبي التام بين الحسابين " ، إلا أن الأثر القانوني لهذه المصطلح لا زال صوريا وغائبا عن التأثير الحقيقي أو المباشر لمسيرة الشركة التكافلية ، ولا شك أن غياب هذه الوسيلة سيخل بالتطبيق الأمثل للمقاصد التكافلية بشركات التأمين التكافلية .
ولنوضح ذلك في الآتي : إن من المعلوم أن هيئة المساهمين ( حملة الأسهم / ملاك الشركة ) تتصرف في العديد من المصالح المالية والتأمينية نيابة عن آحاد المشتركين ، بل وعن هيئة المشتركين ، بينما الدور الحقيقي لكيان هيئة المشتركين لا يزال غائبا ولا وجود له ولا أثر ؛ لا مباشرا ولا غير مباشر ، وذلك لسبب جوهري ظاهر ؛ وهو كون المشتركين هم الطرف الأضعف في المعادلة ، وتحليل ذلك أن مصلحة المتكافلين واقعة تحت وصاية وقرارات هيئة المساهمين والذين يمثلهم مجلس الإدارة المعين من قبل المساهمين ، والذي يعمل أصالة على حماية مصالح المساهمين بالدرجة الأولى .
ولنا أن نطرح عددا من الأسئلة الفنية المنطقية والكاشفة عن خطورة هذه المسألة :
س1 / ما لو تعارضت مصالح المساهمين مع مصالح المشتركين .. أيهما ستقدم الإدارة العليا ؟
س2 / من الذي يحدد النظام المتبع في العلاقة المالية بالشركة التكافلية .. وكالة أم مضاربة ؟
س3 / من الذي يحدد في نظام الوكالة مقدار عائد الوكيل ( المساهمون ) ؟ وما ضمانة عدم الإجحاف والمبالغة في تحديده ؟
س4 / من الذي يحدد كيفية احتساب الفائض التكافلي ؟ وأسس توزيعه ؟ ومتى يوزع ؟ وهل يوزع نقدا أم يرحل للعام القادم ؟
س5 / من الذي يحدد الموقف من الحقوق المتقادمة للمشتركين الذين لم يجدِّدوا اشتراكاتهم ؟
.. والحق : أن من واقع الأسئلة المذكورة يمكننا تصور أهمية إحداث التوازن في تحقيق المقاصد التكافلية للشركة من خلال تفعيل الدور الصوري لهيئة المشتركين .

* الأساس الفقي والقانوني للمسألة :

فأما المستند الشرعي لهذا المطلب فيمكننا إيضاحه في التالي :
إن التفويض بالتصرف الممنوح من قبل هيئة المشتركين لصالح هيئة المساهمين ( الشركة ) إنما هو تصرف مُقَيَّد بعمل الأصلح للمُفوِّض ، وهو معنى القاعدة الفقهية الكلية { التصرفات منوطة بالمصلحة .. كالولي والوصي والناظر } ، وبالتالي فإن على هيئة المساهمين أن تفعل الأصلح والأرشد لصالح " هيئة المشتركين " ، وذلك في مقابل أنها تمدها بالسيولة النقدية ( الاشتراكات ) ، وفي سياق الإطار الفقهي فإن مبدأ التفويض بالتصرف ـ بعقد الوكالة أو الشركة ـ لا يلغي أحقية الموكل أو الشريك بمعرفة كل ما من شأنه حفظ حقوقه وترشيد مصالحه المدارة من قبل وكيله .
وعليه فالمفترض من هيئات الرقابة الشرعية بالشركات التكافلية أن تتصدى لتحقيق هذا المطلب المهم ، وأن تسعى بجد نحو تطوير عنايتها بحقوق المشتركين وبصورة مؤسسية تكفل أعلى قدر من التوازن والشفافية ، وذلك من خلال تفعيل الدور الصوري لهيئة المشتركين .
وأما المبرر القانوني لهذا المطلب فيتضح من الآتي :
إن هذه التصرفات التفويضية وإن كان الأصل فيها أنها مبنية على الأمانة والتفويض في التصرف من قبل هيئة المشتركين إلا أن هذا الوضع ينحو نحو الصورية القانونية ، وهو ما يعكس فلسفة { عقود الإذعان } في الاصطلاح القانوني ، فكأن هيئة المشتركين باتت صورية ولا أثر لها في ترشيد مسيرة الشركة ، لا سيما فيما يتعلق بسياسات عمل الشركة ، أو قراراتها المصيرية في مجال الاستثمار والتأمين والفائض التكافلي ، أو حتى على مستوى مصالح المشتركين أنفسهم .
وإن هذه الوسيلة التنظيمية والقانونية وإن كان ثمة من يطالب بها على مستوى منتج { السندات } والمطالبة بإيجاد " هيئة ملاك السندات " ، أو على مستوى منتج { الودائع } والمطالبة بإيجاد " هيئة المودعين } إلا أنها ربما لم تحظ بالاعتراف في إطار العمل الربحي المحض ، ولذلك فأحقية تطبيق هذه الأداة في منظومة العمل التكافلي الإسلامي أولى وأحرى .

ويبقى السؤال : كيف يمكننا تفعيل الشخصية القانونية والإدارية المستقلة لهيئة المشتركين ، وعلى الوجه الذي ينفي الصورية المشار إليها ؟
والجواب : هنالك العديد من التدابير التنظيمية والإدارية التي يمكن اتباعها لتحقيق استقلالية   " هيئة المشتركين " ، ويمكننا الإشارة إلى الآليات المتاحة التالية :
1-      إنشاء كيان قانوني حقيقي يعرف بهيئة المشتركين ، وينص عليه في عقد التأسيس والنظام الأساسي ، وتصدر له لائحة خاصة تنظمه باعتمادٍ وإقرار من مجلس الإدارة .
2-             تمثيل المشتركين بأعضاء في مجلس إدارة الشركة ، ويكون لهم حق التصويت ، لاسيما في اعتماد مختلف خطط الاستثمار والتأمين ، وسياسات احتساب وتوزيع الفائض التأميني على المشتركين ، مع وضع الشروط والضوابط المناسبة لمواصفات الممثلين .
3-      تمثيل المشتركين بالحضور في الجمعية العامة الخاصة بالمساهمين ، من خلال تقرير رقابي تكافلي يتلى إلى جانب التقارير المالية والإدارية والشرعية .
4-             عقد جمعية عامة خاصة بالمشتركين ، بحيث يكون لها حق التحفظ على أداء مجلس الإدارة ، والمطالبة بتغييره حال ثبوت عجزه أو عدم كفاءته .

ثالثا : غياب معيار شرعي خاص في " الضوابط الشرعية للتغطيات التأمينية " :

إن من المبادئ المهمة لنظام التامين التكافلي الإسلامي أنه : يلتزم عند تقديم خدماته التأمينية وتغطياته ضد الأخطار المتوقعة بمبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية ، وبالتالي فإن أية مخالفة شرعية تقع في مجال { التغطيات التأمينية } تعتبر إخلالا حقيقيا من قبل الشركة بواجبها الشرعي والنظامي بشأن الالتزام بالشريعة الإسلامية ، وهو ما يستوجب تدخل هيئة الفتوى والرقابة الشرعية لإنكاره وإبطاله لأن السكوت عن المخالفة الشرعية فضلا عن الوقوع فيها يعد من قبيل التعاون على الإثم والعدوان .
ويتفرع عن هذا الأصل الشرعي العظيم .. أنه لا يجوز لشركة التأمين الإسلامية أن تغطي الأخطار المتعلقة بموضوع مصادم أومخالف للشريعة الإسلامية ، ومثال ذلك : أنه لا يجوز لشركة التأمين التكافلي أن تؤمِّن على الديون المحرمة شرعا ؛ كالديون الناشئة عن القروض البنكية بفائدة ربوية والتي تقدمها البنوك التقليدية ( الربوية ) ، ومثاله أيضا : عدم جواز التأمين على شحنات الخمور والتبغ ( السجائر ) ، وكذا المنقولة ـ برا أو بحرا أو جوا ـ ، ولا الأسلحة المستخدمة ضد المسلمين ، ولا مواخير الدعارة وبيوت الزنا ، ولا حالات الانتحار ... الخ .    
وإنه نظرا لتعدد وتنوع صور التغطيات التأمينية وتكاثرها المستمر بحسب التطور المدني والحضاري والتجاري للبيئات والمجتمعات فقد أصبح لزاما على الفقه الإسلامي المعاصر أن يضع معيارا شرعيا متخصصا في بيان الحدود والضوابط الشرعية للتغطيات التأمينية التكافلية الإسلامية ، بحيث يتضمن إيضاح صور وتطبيقات عملية معاصرة للتغطيات ( الجائزة / غير الجائزة ) شرعا ، وذلك بهدف تقريب المعرفة الشرعية المقنَّنة لجميع العاملين في شركات التأمين وكذلك المتعاملين معها ، فضلا عن حاجة الفقهاء والمفتين والباحثين الشرعيين .
وسأمثل بمثال تقريبي لما يمكن أن يكون نموذجا لبعض نصوص المعيار الشرعي المطلوب ، والمتخصص في مجال { التغطيات التأمينية في الشركات التكافلية } :
 1- يجوز التأمين على الديون الناشئة عن عقود ومعاملات شرعية في أصلها ، كالديون الناشئة عن صيغ التمويل الإسلامي والتسهيلات والعمليات الائتمانية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية .
ومستند هذا الضابط : الاستناد لقاعدة الأصل الإباحة ، وامتثالا للقاعدة الشرعية في الأمر بالتعاون على البر والتقوى .
2- لا يجوز التأمين على الديون الناشئة عن عقود ومعاملات غير شرعية في أصلها ، كالديون الربوية الناشئة عن القروض والتسهيلات والعمليات الائتمانية ( الربوية ) ؛ والمبنية على أساس عقد القرض بفائدة نظير الأجل .
ومستند هذا الضابط : امتثال النصوص الشرعية الواردة بلعن المتعاونين على الربا ، ولعموم حظر الشريعة عن التعاون على الإثم والعدوان ومعصية الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
3- يجوز التأمين على الديون الناشئة عن العقود والمعاملات والعمليات الائتمانية الشرعية ، والتي تقدمها وحدات النوافذ الإسلامية في البنوك والمؤسسات المالية التجارية ( الربوية ) ، وذلك مقيد بشرطين هما : وجود رقابة شرعية مستقلة على النافذة ، والتحقق الفني من الفصل المالي والمحاسبي التام للنافذة الإسلامية عن المؤسسة التجارية ( الربوية ) .
ومستند هذا الضابط : قاعدة الأصل الإباحة .
4- يجوز التأمين على الأعيان المستغلة أصالة للأغراض المأذون بها شرعا ، ولا يؤثر في ذلك ما قد يطرأ على تلك الأعيان من استخدامات تابعة غير شرعية ، مثل : الفنادق والعقارات والمركبات.
ومستند هذا الضابط : قاعدة الأصل الإباحة .
5- لا يجوز التأمين على الأعيان المستغلة أصالة للأغراض المخالفة للشريعة الإسلامية ، ولا يؤثر في ذلك ما قد يطرأ على تلك الأعيان من استخدامات تابعة مأذون بها شرعا ، مثل : مقارّ المؤسسات الربوية وفروعها ، وشحنات الخمور والتبغ وعمليات تخزينها .. ونحوها .
ومستند هذا الضابط : عموم حظر الشريعة عن التعاون على الإثم والعدوان ومعصية الله والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
6- يجوز التأمين مباشرة على الأعيان المستغلة أصالة للأغراض المأذون بها شرعا ، ولا يؤثر في ذلك كون أصحابها قد تملكوها بطريق ربوي ، مثل : الإنشاءات والعقارات والمركبات ـ بأنواعها الأرضية والبحرية والجوية ـ التي تملكها أصحابها بواسطة القروض والتسهيلات الربوية .
ومستند هذا الضابط : قاعدة الأصل الإباحة ، ولكون التعاقد الشرعي قد ورد على عين مشروعة مملوكة لصاحبها ، و إنما تقع تبعة التمويل الربوي على مالك العين .
7- لا يجوز تقديم الخدمات ( التغطيات ) التأمينية التكافلية لمنسوبي المؤسسات ذات الأغراض المصادمة أوالمخالفة أصالة لأحكام الشريعة الإسلامية ، ويجوز ما سوى ذلك .
ومستند هذا الضابط : القاعدة الشرعية في حظر التعاون على الإثم والعدوان .
وما ذكرته .. عبارة عن نماذج وأمثلة لما يمكن أن يشتمل عليه المعيار الشرعي في مجال { التغطيات التأمينية الإسلامية } ، وإلا فإن الواجب على الفقه الإسلامي المعاصر أن يبادر بنوع من الشمول والإحاطة إلى استكمال هذا النقص الجوهري في أحكام التغطيات التأمينية التكافلية المعاصرة .


رابعا : ضعف مهام التفتيش والرقابة الشرعية اللاحقة :

لقد استقر في فكر الصناعة المالية الإسلامية أن وجود الهيئات المعاصرة للفتوى والرقابة الشرعية قد بات يمثل الضمانة الشرعية الوقائية للتأكد من مدى مطابقة أعمال المؤسسة المالية لأحكام الشريعة الإسلامية ، وليحصل الاطمئنان والثقة ـ ولو بغلبة الظن ـ بموافقة هذه المعاملات المالية لمرضات الله تعالى في الدنيا والآخرة ، بواسطة جهة شرعية متخصصة في فقه المعاملات المالية تقوم بمهمة { حفظ أعمال المؤسسة المالية عن المخالفات الشرعية } .
ولا شك أن هذا الدور المهم الذي وصفناه إنما تشتد الحاجة إليه في السنوات الأولى من تأسيس شركة التأمين التكافلية ، حيث تُكَثِّفُ الهيئة الشرعية اجتماعاتها في بدايات العمل ، وبعدها تتحول عامة وثائق الشركة وعقودها إلى نمطية منتظمة ، وبالتالي تتقلص الحاجة العملية إلى اجتماعات الهيئة الشرعية ، بيد أن ذلك لا يعني أن تتراخى الهيئة الشرعية في أداء مسؤولياتها الأخرى خلافا للإفتاء ، ولذلك فقد لوحظ أن بعض الهيئات الشرعية لشركات تكافلية قد لا تجتمع مدة السنة والسنتين وأكثر ، وما ذاك إلا اكتفاء بما سبقت إجازته من وثائق وعقود نمطية ، وهذا قصور كبير وخلل ظاهر في فهم حقيقة الدور المناط بالهيئة الشرعية في الشركة التكافلية[35] .
إلا أن ما نود تقريره هنا : إثبات حقيقة أن مجرد وجود الهيئة الشرعية كجهة استشارية شرعية تمارس الإفتاء والرقابة السابقة ـ نسبيا ـ أن ذلك دور منقوص وغير كاف ؛ بل هو من نقاط الضعف ، إذ الواجب الشرعي الذي تستلزمه شهادة الهيئة سنويا على مدى التزام الشركة بالشريعة يقتضي منها أن تمارس دور الرقابة والتفتيش الفعلي سنويا ، أو ما يعرف بالرقابة اللاحقة ؛ كي يتم التحقق الفعلي والميداني من سلامة الأداء والالتزام الشرعي الذي اتفق عليه المساهمون للشركة ، ولضمان عدم انحرافها عن شرط الالتزام الشرعي الذي قامت عليه الشركة .
وإن الواقع العملي لعامة شركات التأمين التكافلي يؤكد على أن هناك ضعف مشهود فيما يتعلق بدور التدقيق والتفتيش الشرعي الميداني على الأعمال والعمليات التي تزاولها الشركة ، حيث من الممكن أن تمارس الشركة بواسطة إدارتها العليا أو بعض موظفيها مخالفات شرعية متعددة ، وكلها تتم ـ قصا أو بغير قصد ـ بمعزل عن أعين هيئة الرقابة الشرعية ، وأحيانا قد يكون الباعث على ذلك التهرب من القيود والضوابط الشرعية التي قد تفرضها الهيئة الشرعية على الشركة أو على المدير المختص .
بينما ترى بعض الإدارات العليا بأن الهيئة الشرعية أداة مساعدة تستخدمها الشركة متى احتاجت إليها ، وأن ذلك لا يعني أن يتم عرض كافة الوثائق والعقود والاتفاقيات على الهيئة الشرعية ، وقد يكون المسؤول أو الموظف حسن النية لكنه قد يخطئ في فهم دلالة الضابط الشرعي فيقع في المخالفة الشرعية دون قصد .
ومن هنا فإن الواجب الشرعي يحتم ؛ وطبقا لقاعدة " ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " أن يتم تخصيص رقابة شرعية ( داخلية / خارجية ) تقوم بمهام التفتيش والتدقيق الشرعي المكتبي والميداني ، وذلك بهدف التحقق من سلامة التزام المؤسسة التكافلية بالشريعة الإسلامية ، كما يجب أن يشمل برنامج الرقابة الشرعية بالشركة التكافلية التفتيش والرقابة الشرعية على كافة عمليات حساب المساهمين ( حملة الأسهم ) فضلا عن عمليات حساب المشتركين ( حملة الوثائق ) .

خامسا : ضعف التأهيل الشرعي لدى منسوبي شركات التأمين التكافلي :

إن من بدهيات العمل المؤسسي السليم عنايته بتطوير معارف ومهارات وخبرات العاملين فيه ، وذلك يشمل مختلف الجوانب ذات الصلة والتي من شأنها تجويد الأداء وإتقان العمل ، وتختص المؤسسات الإسلامية بخاصية نوعية أخرى ، وهي : أن يتم تأهيل العاملين فيها في الأسس والمبادئ الشرعية التي تحكم مجال عملهم ، وليس ثمة خلاف بين الفقهاء ـ قديما وحديثا ـ أن المسلم إذا مارس صناعة أو تجارة أو مهنة فإنه يلزمه أن يتعلم كل ما لا يتحقق الالتزام الشرعي إلا به ، فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
وإن من أبرز التحديات وجوانب القصور في صناعة التأمين التكافلي ما يلحظ من شيوع ظاهرة تدني الثقافة الشرعية لدى منسوبي شركات التأمين التكافلية ، وخصوصا في الجوانب الشرعية المتعلقة بتفاصيل المنتجات والعمليات في صناعة التأمين التكافلي ، وربما انتسب إلى شركات التأمين التكافلية الإسلامية من لا يؤمن بها ؛ لا فكرة ولا تطبيقا ولا غاية ، وربما صرح بعضهم بانتفاء الفارق بين النموذجين الإسلامي والتقليدي ، حتى استحال بعض منسوبي الصناعة إلى طارد للعملاء ؛ بل ومشكِّك في شرعية الصناعة برمتها[36]  .
والحق : إن هذه الظاهرة الخطيرة فاشية في عامة شركات التأمين التكافلي ، وما ذاك إلا لضعف عناية الإدارات العليا في عامة الشركات التكافلية في مجال التدريب والتأهيل والتثقيف الشرعي ، والواجب ـ شرعا وعرفا ـ أن يحظى هذا المطلب الأساسي بمزيد من العناية المؤسسية ، وأن يتبوأ الأهمية العليا من بين أهداف المؤسسة التكافلية الإسلامية ، والحذرَ الحذرَ .. من أن تؤتى الصناعة من داخلها وأن يتحوّل منسوبوها إلى طاردين عنها مناهضين لها مشككين فيها وفي شرعيتها ؛ بسبب إهمال الإدارات العليا لركيزة التأهيل والتدريب الشرعي والفني على حد سواء .

* أسباب المشكلة :

ويمكننا تلخيص الأسباب المفضية إلى هذا القصور فيما يلي :

1-       غياب المنهج العلمي والتدريبي الشامل والمتكامل لصناعة التأمين التكافلي .
2-       حداثة النشأة والتطبيق بالنسبة لصناعة التكافل الإسلامي مقارنة بالتقليدي .
3-       الخلفية المهنية التقليدية لدى الموظفين الذين تم استقطابهم من المنافسين التقليديين [37] .
4-       تعدد الآليات والمدارس الفنية في تطبيق نظام التأمين التكافلي ؛ حتى على مستوى البلد الواحد ، مما يجعل تحرير الصناعة فنيا وشرعيا مطلبا غاية الصعوبة في المرحلة الحالية .
5-       وجود الفجوة الكبيرة بين المعرفة الشرعية والمعرفة الفنية في التأمين التكافلي ، الأمر الذي سيؤخر حتما نضج المعرفة الكلية بشأنها .
6-       إن الشركات التكافلية لا زالت منشغلة في أولوية المنافسة السوقية بمعزل عن التأهيل الشرعي والفني ، لاسيما إذا أخذنا بالاعتبار نمطية العمليات التأمينية في صناعة التأمين .
7-        رغبة الإدارة العليا في عدم إقحام موظفيها في مناقشات شرعية ـ أوحتى فنية ـ فيما بينهم ؛ أو مع العملاء ، وخصوصا في جوانب شرعية لا قبل لهم بمعرفتها .








* الحلول المقترحة :

ويمكننا تلخيص أبرز الحلول والمقترحات لمعالجة هذا التحدي الاستراتيجي في الآتي :

1-       تضافر جهود الشركات التكافلية ( المباشرة / الإعادة ) في سبيل إنشاء مركز أبحاث متخصص في صناعة التأمين التكافلي الإسلامي ، بحيث يحدد أصول الصناعة وفنياتها من النواحي الشرعية والفنية ، كما يأخذ بعين الاعتبار التفاوت في الأنظمة والمدارس الفنية المطبقة في مختلف شركات التأمين في العالم ، على أن يخلص من ذلك كله إلى تصميم مشروع " المصدر المرجعي المعتمد " للصناعة ، وهو عبارة عن منهج علمي وتدريبي شامل ومتكامل يستوعب كافة الجوانب الشرعية والفنية للصناعة ومنتجاتها [38] ، على أن يتم ذلك تحت مبادرة وإشراف جهة دولية معتمدة ؛ مثل : الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل ، أو المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية ، أو معهد البحوث بالبنك الإسلامي للتنمية .
2-        أن تتدخل أجهزة الرقابة الشرعية بشكل مباشر في التحقق من سلامة المعرفة لدى منسوبي الشركة التكافلية ، عملا بقاعدة " ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " ، وذلك من خلال عقد اللقاءات التثقيفية والدورات التدريبية ، وأن تتحقق بصفة دورية من جِدِّية الإدارة العليا في سعيها نحو تحقيق هذا المطلب الضروري .

سادسا : حول إعادة التأمين التكافلي الإسلامي :

عندما نشأت صناعة التأمين التكافلي فقد كُتِب لها أن تواجه منذ يومها الأول أحد أكبر تحدياتها العملية ، والذي تمثل في عدم وجود شركات إعادة تأمين إسلامية ، علما بأن وجود شركة إعادة تأمين من ضرورات صناعة التأمين بصفة عامة ، وفي الوقت ذاتها أن ضرورة العمل التأميني تقتضي ألا مناص من لجوء شركة التأمين المباشر إلى معيد تأمين يحمي ظهرها ويؤمن ما لا تطيقه من الأخطار الكبيرة ، ومن هنا بادر الفقه الإسلامي المعاصر إلى مواجهة التحدي الاستراتيجي بالنسبة لشركات التأمين التكافلية والمتمثل في انعدام وجود شركات إسلامية لإعادة التأمين فجاءت الفتوى لتجيز التعامل مع إعادة التأمين التجاري ( التقليدي ) وذلك تماشيا مع أحكام الضرورة ، وذلك لحين وجود المعيد الإسلامي .
ولقد نجح الاقتصاد الإسلامي في تأسيس البديل الإسلامي لنظام إعادة التأمين ، وتوجد حاليا حوالي ( 4 ) أربع شركات متخصصة في إعادة التأمين التكافلي الإسلامي ، وبالتالي فإن أحكام الضرورة باتت تضيق بحسب اتساع دائرة الحلال وتراجع دائرة الحرام ، وذلك عملا بالقاعدة الفقهية الكلية " الأمر إذا ضاق اتسع وإذا اتسع ضاق " وهي بمعنى قاعدة { المشقة تجلب التيسير } .

وفي سياق تقييمنا لتجربة إعادة التأمين التكافلي الإسلامي فإنه يحسن بنا الإيقاف على مسألتين مهمتين يحسن أن نناقشهما ونبين ما تتطلبه المرحلة بشأنهما :

المسألة الأولى : عزوف شركات التكافل المباشرة عن التعامل مع معيدي التأمين التكافلي :

إن من أبرز التحديات والمشكلات التي تعاني منها شركات إعادة التأمين التكافلي الإسلامي عزوف الكثير من الشركات التكافلية المباشرة وامتناعها عن ترتيب اتفاقيات الإعادة معها ، وإنما تُبقي تلك الشركات التكافلية المباشرة على اتفاقياتها مع شركات الإعادة التجارية (التقليدية) العالمية.
وتبرر تلك الشركات التكافلية المباشرة موقفها هذا بالآتي :
أ / إن شركات الإعادة التكافلية لا تزال في مهدها وتحت التجربة ، ومخاطرها الفنية عالية جدا نتيجة حداثة النشأة ونقص الخبرة .
ب/ كما تعتبر ملاءة شركات الإعادة التكافلية متدنية جدا وفي حدود عشرات الملايين فقط ، وبالتالي فإنها حتما لن تكون قادرة على استيعاب حجم الأخطار المحالة إليها من قبل شركات التأمين التكافلية المباشرة ، وعليه .. فليس من الحكمة المجازفة بإعادة تأمين أخطارنا لديها ، ونترك الإعادة لدى معيدين تجاريين ذوي ملاءات عالية جدا تصل إلى عشرات ؛ بل مئات المليارات .
ج/ ثم ما الفائدة من أن نعيد التأمين لدى شركات إعادة تكافلية ، ثم هي في حقيقة الأمر إنما تقوم بدور الوسيط بيننا وبين كبرى شركات الإعادة التقليدية في العالم ، فلنختصر الطريق ولنلجأ إلى تلك الشركات الكبرى بهدف الحصول على مزايا أعلى وخدمة أسرع وأفضل ، وبتكلفة إعادة أقل ، فضلا عن مخاطر أقل ؛ إذا ما نسبنا أخطارنا القليلة نسبيا إلى جانب ملاءاتها المالية الكبيرة جدا .
والحق : إن هذه المبررات على الرغم من وجاهتها في الظاهر إلا أنها لا تُسَلَّم على إطلاقها ، وإنما تناقش على النحو التالي :
أ / ليس صحيحا الادعاء بأن شركات الإعادة التكافلية تقوم بدور الوسيط بين الشركة المباشرة والمعيد التجاري ( التقليدي ) العالمي ، وإنما تقدم خدماتها في الإعادة التكافلية بصورة كلية وبصفتها معيد رئيسي ، هذا مع الأقرار بأنها في حالات معينة وخاصة يمكن للمعيد التكافلي أن يعيد الأسقف العليا من الأخطار العالية جدا ـ وبصورة استثنائية ـ لدى المعيد التقليدي .
ب/ إن المعيد التكافلي إنما قام ابتداء من أجل سد ثغرة استراتيجية في صناعة التكافل الإسلامي ، فإذا لم يجد الدعم والتأييد والتشغيل من قبل الشركات التكافلية المباشرة ، فهل يتوقع ذلك من شركات التأمين التجاري ( التقليدي ) ؟! ، بل إن الواجب الشرعي يوجب على الشركات التكافلية المباشرة أن تُقَنِّن وتُحدِّث تطبيقها لقاعدة { الضرورات تُبيح المحظورات وتُقَدَّرُ بقدرها } بصفة دورية ، فنحن نسلم بمبدأ المخاطر الفنية ، لكن يجب في الوقت ذاته أن تحيل شركة التكافل المباشرة نسبة من أخطارها إلى المعيد التكافلي ، على أن تتصاعد هذه النسبة تدريجيا مع مرور الوقت باتجاه قطع التعامل مع التقليديين بالكلية ، ولو استغرق ذلك عقودا من الزمان ، فهذا هو التطبيق الحقيقي والعادل لقاعدة { وتُقَدَّرُ بقدرها }  .
ج/ ثم إن الاقتصار على الإعادة التقليدية فيه خطر كبير ، وذلك من جهة علو درجة المخاطر النوعية لشركات الإعادة التقليدية ، وسر ذلك اقترانها العضوي بمجالات الاستثمار الربوي ، وخصوصا تغطية أخطار الديون التقليدية ( الربوية ) ، والتي يؤدي انهيارها إلى إصابة تلك الملاءات التقليدية الكبيرة بمقتل ، وهو ما تشهد به تداعيات الأزمة المالية الأمريكية على مستوى تهديد شركة التأمين الأمريكية العالمية [ AIG ] بالإفلاس نتيجة عجزها عن الوفاء بالتزاماتها نحو الديون والسندات الربوية المتعثرة .
والخلاصة : إن على شركات التأمين التكافلية أن تلتزم بالقواعد الشرعية بشأن وجوب تعظيم إعاداتها تدريجيا لدى شركات الإعادة التكافلية ، وفي المقابل تقليل إعاداتها التجارية تدريجيا ولو من خلال جدولتها في خطة زمنية طويلة ، كما يتعين على هيئات الرقابة الشرعية في الشركات التكافلية أن تتحقق وتفتش ـ وبصورة دورية ـ عن مدى التزام الشركة بتطبيق قاعدة الضرورات على مستوى الموازنة الشرعية بين الإعادة التكافلية والتجارية .

المسألة الثانية : الموقف الشرعي من " تقبل المعيد التكافلي لأخطار الشركات التجارية " :

إن من أبرز التحديات التي تواجه قطاع الإعادة التكافلية تتمثل في بحث مسألة تأمينية بالغة الخطورة ، وهي تتعلق بنطاق الأخطار التي يجوز أن تتقبلها شركات إعادة التأمين التكافلي أو التعاوني الإسلامي ، والمسألة هي : " ما الحكم الشرعي لتقبل معيد التأمين التكافلي للأخطار الواردة إليه من قبل شركات التأمين التجاري " .
ولنبين طرفا من أهمية دراسة هذه المسألة ..
إن من التحديات الشرعية التي تواجه شركات الإعادة التكافلية أنها تستهدف نطاقا محددا ينحصر في تقبل الأخطار الواردة إليها من شركات التأمين التكافلي المباشر ، فإذا ضممنا ضعف المراكز المالية لشركات التكافل المباشرة إلى جانب ضعف المراكز المالية لشركات الإعادة التكافلية ، ومحدودية سوقها فأنى يمكن لمعيد التأمين التكافلي أن ينمو نموا طبيعيا ومناسبا لحجم أخطاره المتزايدة ، ومن هنا يمكننا تصور عمق المشكلة والخطر الذي تواجهه صناعة التكافل برمتها .
فالمسألة الفقهية المطروحة للمناقشة تتمثل في السؤال التالي : ( هل يجوز شرعا لشركة إعادة التأمين التكافلي ( الإسلامية ) أن تتقبل حصصا من الأخطار التي ترد إليها من شركات التأمين التجاري ؟ كيف وهي أخطار وتغطيات ناشئة عن عقود تأمين تجاري تكتنفها المخالفات الشرعية من عدة جهات ؟ وذلك من جهة أصل العقد التجاري المحرم شرعا ، وأيضا من جهة نوعية الخطر المغطى والذي قد يكون مصادما للشريعة الإسلامية ؛ مثل : الديون الربوية ونحوها .. فما الحكم الشرعي تجاه هذه المسألة ذات الأثر الاستراتيجي بالنسبة لشركات الإعادة التكافلية ؟ ) .
ولست أبتغي في هذا الموضع إصدار حكم شرعي حول المسألة المشار إليها .. بقدر ما أنني أريد الكشف عن نموذج لمسائل فقهية جوهرية ذات أثر استراتيجي بالغ الخطورة على صناعة التأمين التكافلي ككل ، وهي من النوازل الفقهية التي باتت تفرض نفسها على شركات الإعادة التكافلية ، وتتطلب اجتهادا جماعيا بشأنها .

سابعا : غياب الهيئة العليا للتأمين التكافلي الإسلامي :

وإن من أبرز جوانب الضعف والقصور في صناعة التأمين التكافلي عدم وجود هيئة دولية عليا فاعلة ومتخصصة في مجال التأمين التكافلي ، بحيث تتولى مجموعة من المهام والاختصاصات الجوهرية والمتعلقة بتنظيم وتقنين الصناعة ، وذلك على المستويين الشرعي والفني التأميني .

ويمكننا اقتراح المهام والاختصاصات المهمة التالية :
1-                    العمل على ضبط وتوحيد الأنظمة المعتمدة لشركات التأمين التكافلي الإسلامي .. وضوابط تطبيق كل منها ( مضاربة / وكالة .. ) ، وذلك منعا لأية تجاوزات شرعية قد تنشأ مستقبلا نتيجة التساهل أو التهاون في التطبيق .
2-                    اعتماد الآليات التنفيذية المتبعة في تقديم الخدمات والمنتجات التأمينية التكافلية .
3-                    إعداد لائحة بالضوابط المعتمدة في احتساب الفائض التأميني وكيفية توزيعه .
4-                    إعداد وإصدار المعايير الشرعية الدولية المنظمة لقواعد وأحكام الصناعة .
5-                    وضع الضوابط الكفيلة بسلامة عمليات تطوير المنتجات التكافلية الجديدة ، وتقديم الدعم الاستشاري اللازم للجهات والشركات المطورة .
6-                    إنشاء معهد متخصص في دراسات وأبحاث وبرامج التدريب في التكافل الإسلامي .
7-                    رصد ومتابعة مستجدات الصناعة ودراسة مشكلاتها بهدف تقييمها وتقديم الحلول المناسبة لها .
8-                    تقديم الدعم النوعي لجهود إصدار قوانين وتشريعات جديدة خاصة لصناعة التأمين التكافلي الإسلامي .
9-                    الإعداد والإصدار للمصادر العلمية الموثقة في نقل المعرفة المتعلقة بالتأمين التكافلي ، من النواحي الشرعية والفنية .


10-              نشر الوعي بالتأمين التكافلي والإشراف على مواده التدريبية واعتمادها .

وهذه نماذج وأمثلة لمهام واختصاصات الهيئة العليا للتأمين التكافلي الإسلامي ذكرتها لبيان المسؤوليات الجسيمة التي يمكن أن تناط بهذه المؤسسة الدولية .
ولعل من المناسب الاستفادة من تجربة إنشاء { مجلس الاتحاد العالمي للتكافل } .. وهو منظمة دولية متخصصة في التأمين التكافلي ، وتضم في عضويتها شركات التأمين التكافلي والتعاوني الإسلامي ، والتنسيق معها بهدف تعميدها للقيام بهذه المهام والاختصاصات .

ثامنا : الأخلاقيات المهنية في شركات التأمين التكافلية :

إن الأساس الديني الذي تنطلق منه صناعة التأمين التكافلي يفرض عليها أن تلتزم بالاعتبارات الأخلاقية التي قررتها شريعتنا الإسلامية الغراء ، وإذا كانت صناعة التأمين التجاري ( التقليدي ) تنحو منحى التجهيل والتسويف والتغرير وأكل المال بالباطل للعملاء فإن الواجب الشرعي والأدبي على شركات التأمين التكافلي أن تتبرأ من هذه السلوكيات المنافية للأخلاق الإسلامية ، بحيث يجب على الشركة التكافلية أن تعتني بتحقيق مبدأ { الشفافية والإفصاح } ما أمكن ، فتفصح للعميل عن كل ما قد يفضي إلى تجهيله أو التغرير به أو خداعه ، وبذلك تحقق القيمة الاستراتيجية لصناعة التكافل والتي تباين فيها صناعة التأمين التجاري ( التقليدي ) .
وللكشف عن حالات عملية لتطبيق أخلاقيات صناعة التأمين التكافلي .. فسأمثل بالتالي :
عندما نشأت إحدى شركات التأمين التكافلية بدولة الكويت بادرت إدارة الشركة إلى تصميم وثائق لمختلف المخاطر المتداولة في السوق ، وذلك مع تغيير ما يلزم من آليات ومصطلحات تلك الوثائق وفقا للنظام التكافلي الذي اعتمدت أصوله المجامع الفقهية الدولية ، وبعد عرض تلك الوثائق على هيئة الرقابة الشرعية بالشركة قررت الهيئة رفضها بالكامل ، وعللت ذلك بأنها سارت على منوال الوثائق التقليدية من حيث تجهيل العملاء والتغرير بهم ، وذلك من خلال تعمد تصغير الخطوط المستخدمة ، وخفاء موجبات ضياع الحق على العميل ، فقضت الهيئة الشرعية بضرورة التزام البعد الأخلاقي عند تصميم وإصدار الوثائق التكافلية ، وتمييز كل ما من شأنه إثارة النزاع بين الشركة والعميل مستقبلا ؛ بسبب ادعاء عدم العلم به ، فأوصت الهيئة بأن تقوم الإدارة بتمييز بعض المواضع بلون أحمر ، وأن تجعل بارزة في صدر الوثيقة ليقرأها العميل بوضوح ودون عناء .
ومن جملة الأخلاقيات الواجب إشاعتها .. توفية العميل حقه في التعويض دون مماطلة أو إنقاص أوتحايل ، مع الالتزام بالوفاء بالعهود والوعود ، واللجوء إلى الصلح والتسوية مع العميل دون إرهاقه في المطالبات القضائية تنفيرا له عن حقه المشروع .
ومن أخلاقيات التكافل الإسلامي بذل النصح للعميل إذا ما طلب وثيقة وتوجد غيرها أفضل له منها ، ومنها : العناية في تخصيص أماكن ومواعيد لإقامة الصلاة جماعة ، ومنع الظواهر السلبية التي قد يتساهل فيها بعض الموظفين في الشركة ، مثل : تعاطي التدخين ، أو الاختلاط والتبرج المحرم ، وكذا منع الكذب أو بذاءة اللسان ... الخ .
ولتحقيق هذا المطلب فنقترح الآتي : تقوم الإدارة العليا بإعداد لائحة تنظم أخلاقيات العمل بشركة التأمين التكافلي بالمؤسسة ، وذلك شريطة اعتمادها من هيئة الرقابة الشرعية بالشركة .


الخاتمة

     وختاما فإنني أرجو أن أكون قد وفقت في تقديم الجديد المفيد في هذا الموضوع المهم ، وأن تكون هذه المساهمة نواة باعثة لدراسات أخرى أكثر شمولا وأعمق تفصيلا ، وأكرر شكري وتقديري لإخواني أصحاب الفضل والفضيلة / الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل على رعايتهم الكريمة لهذا الملتقى ..
سائلا المولى العلي القدير أن يبارك هذه الجهود ، وأن يعيننا على خدمة ديننا وتطبيق شريعتنا الإسلامية الغراء في حاضرنا ومستقبلنا ، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .





















فهرس الموضوعات

المقدمة
1
المحور الأول : الوصف العام لصناعة التأمين التكافلي
2
القسم الأول : الوصف الفني للعلاقات المالية في نظام شركات التأمين التكافلي
3
القسم الثاني : الفروقات الجوهرية بين التأمين التكافلي والتأمين التجاري
9
القسم الثالث : إحصاءات وبيانات مهمة حول صناعة التأمين التكافلي الإسلامي
14
المحور الثاني : الإنجازات وجوانب القوة
18
أولا : إثبات بقاء الخيرية في الأمة الإسلامية
19
ثانيا : المساهمة في تجديد الدين والإنكار العملي لمنكر الربا والمخالفات الشرعية
19
ثالثا : المساهمة في ترسيخ ظاهرة " الاقتصاد الديني " في المجتمعات الإسلامية
21
رابعا : المنافسة الميدانية لسوق التأمين التجاري
23
خامسا : بناء خبرات وكوادر تأمينية ملتزمة
24
سادسا : استكمال مكونات " الطائر الإسلامي "
25
سابعا : نافذة ثرية نحو تطوير منتجات تكافلية إسلامية جديدة
26
ثامنا : الأثر الاقتصادي الكلي بالغ الخطورة لصناعة التأمين التكافلي
27
تاسعا : إصدار المعيار المحاسبي الإسلامي رقم ( 12 ) والخاص بالتأمين التكافلي
29
المحور الثالث : التحديات وجوانب الضعف
30
أولا : غياب التشريع ( القانون ) المنظم لصناعة التأمين التكافلي الإسلامي
31
ثانيا : صورية " هيئة المشتركين " في الشركة التكافلية
33
ثالثا : غياب معيار شرعي خاص في " الضوابط الشرعية للتغطيات التأمينية "
36
رابعا : ضعف مهام التفتيش والرقابة الشرعية اللاحقة
38
خامسا : ضعف التأهيل الشرعي لدى منسوبي شركات التأمين التكافلي
40
سادسا : حول إعادة التأمين التكافلي الإسلامي
43
سابعا : غياب الهيئة العليا للتأمين التكافلي الإسلامي
47
ثامنا : الأخلاقيات المهنية في شركات التأمين التكافلية
48
الخاتمة
49


ورقة علمية بعنوان

تقييم تطبيقات وتجارب
التأمين التكافلي الإسلامي

ملتقى التأمين التعاوني
23-25محرم1430هـ  الموافق  20-22يناير2009م
تنظيم الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل


إعداد
د. رياض منصور الخليفي
 



دولـة الكويت



[1]- لقد أصبحت مصطلحات التأمين التكافلي أو التعاوني أو الإسلامي ألقابا تطلق على نظام التأمين المتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية ، وننبه ههنا إلى أن مصطلح ( التأمين التعاوني ) هو مصطلح مستخدم أصالة في صناعة التأمين التقليدي ، وله دلالاته وآلياته التقليدية ، فهو تأمين ذو أهداف تعاونية ، ويُعَدُّ في الوقت ذاته من أبرز أنواع التأمين التقليدي ( الوضعي ) ، ولذلك فهو نموذج تأميني وإن كانت أهدافه تعاونية ؛ إلا أنه لا يلتزم ـ وفق واقعه الغربي ـ بأية ضوابط والتزامات دينية شرعية ، فضلا عن أن تكون مرجعيته منحصرة في الشريعة الإسلامية .
    وتأسيسا على هذه الحقيقة الفنية .. فأرى أن مصطلح ( التأمين التكافلي ) هو المصطلح الأقرب إلى استمداد الفكرة من الشريعة الإسلامية ؛ مما ينبغي معه تكريس استقلالية النموذج التأميني المتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية ، وأما تسمية التأمين الإسلامي بلقب ( التعاوني ) أو ( التبادلي ) فإنها ألقاب مستمدة من الفكر التأميني التقليدي وتطبيقاته غير الملتزمة بالضوابط الشرعية ، ولذلك فإن هذه الاصطلاحات تختلف في واقعها اختلافا جذريا عن نظام التأمين الإسلامي .
    وعلى سبيل المثال .. فإن التأمين التعاوني التقليدي ( الغربي ) وإن كان يقرب في آليته العقدية والفنية من التأمين التكافلي الإسلامي إلا أن الأصل فيه أنه لا يتورع عن الإيداعات الربوية باعتبارها من ضرورات العمل التأميني ، كما أنه لا يتورع أيضا عن تلقي القروض بفوائد ربوية لمواجهة أية عجز مالي يطرأ عليه ، بل ولا غضاضة معه من تقديم القروض الربوية بفائدة مشروط نظير الأجل بهدف التعاون في تحمل الخطر ، هذا بالإضافة إلى اعتماد التأمين التعاوني ( التقليدي ) على ركيزة الاستثمار في السندات الربوية المحرمة شرعا، فهذه الفروقات الجوهرية كلها تؤكد على ضرورة استقلالية الاصطلاح للدلالة على استقلالية فكرة التأمين التكافلي التي ابتكرها المسلمون في العصر الحديث ، وذلك لتمييز النموذج الإسلامي عن غيره من نماذج التأمين التقليدي بأنواعها : التجاري و التعاوني و التبادلي ، والتي طوَّرها وابتكرها الفكر التأميني الغربي ( غير المسلمين ) ، ويدل لذلك : أن بعض ضعاف النفوس قد استعملوا مصطلح ( التعاوني ) تحايلا وتضليلا للمجتمع المسلم ، وإن كانت حقيقة مرادهم تمرير نظام التأمين التجاري بصورة التقليدية المخالفة للشريعة الإسلامية ، سواء من جهة الإطار العام للنظام ، أو من جهة معالجة الفائض المالي ، أو من جهة معالجة العجز المالي .
    والخلاصة : إن مقتضى التأصيل الشرعي واستقلالية التطبيق الإسلامي تقتضي أن يستعمل مصطلح ( التأمين التكافلي الإسلامي )  بدلا من استعمال مصطلحات تقليدية في أصلها واستعمالها مثل : ( التعاوني ) ، وعليه فسأعتمد في هذه الورقة استعمال مصطلح { التأمين التكافلي } للدلالة على نظام التأمين الإسلامي المراد تقييمه .. وتبقى العبرة بالمعاني .
    ( وانظر في أنواع التأمين التقليدي كتاب بعنوان " التأمين .. الأصول العلمية والمبادئ العملية " ، د. محمد توفيق المنصوري        و د. شوقي سيف النصر سيد ، ص 92 ) .
[2] - لقد بذل الفقه الإسلامي المعاصر جهودا كريمة في تقديم البديل الإسلامي عن نموذج التأمين التقليدي المخالف للشريعة الإسلامية ، وقد بدأت تلك الجهود الفقهية منذ زمن مبكر نسبيا ، ويمكننا استعراض تلك الجهود الفقهية على النحو التالي :
1- ففي القاهرة بجمهورية مصر العربية عُقِد مؤتمران للعلماء المسلمين ، أحدهما انعقد عام ( 1385هـ / 1965م ) ،           والثاني عقد عام (1392هـ / 1972م ) ، وقد تم استعراض ومناقشة صيغة { التأمين التكافلي } من قبل الفقهاء في كلا المؤتمرين ، فأجازه الفقهاء بالإجماع .
2- كما عُرِض موضوع { التأمين التكافلي } على هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية فأصدرت الهيئة الموقرة قرارها         رقم (51) بتاريخ 4/4/1397هـ والذي يقضي بتحريم التأمين التجاري وإباحة التأمين التكافلي .
3- وفي المجمع الفقهي بمكة المكرمة في دورته الأولى المنعقدة بتاريخ 10/8/1398هـ استعرض الفقهاء موضوع :            { التأمين التكافلي } فأصدر المجمع قراره بإباحة التامين التكافلي بالإجماع ، ومما جاء في نص القرار الفقهي : ( كما قرر المجلس بالإجماع الموافقة على قرار مجلس هيئة كبار العلماء من جواز التأمين التكافلي بدلا من التأمين التجاري المحرم ) .
4- كما تكرر عرض الموضوع نفسه { التأمين التكافلي } على مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة في مؤتمره الثاني المنعقد            عام (1406هـ 1985م ) فأصدر المجمع قراره التاريخي ، والمكون من ثلاثة بنود بالنص التالي : ( قرار رقم (2) بشأن التأمين وإعادة التأمين : فإن مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي بعد أن تابع العروض المقدمة من العلماء المشاركين في الدورة حول موضوع " التأمين وإعادة التأمين " ، وبعد أن ناقش الدراسات المقدمة ، وبعد تعمق البحث في سائر صوره وأنواعه والمبادئ التي يقوم عليها والغايات التي يهدف إليها ، وبعد النظر فيما صدر عن المجامع الفقهية والهيئات العلمية بهذا الشأن ، قرر :
1- إن عقد التأمين ذا الاشتراك الثابت الذي تتعامل به شركات التأمين التجاري عقدٌ فيه غَرَرٌ كبير مُفسِدٌ للعقد ، ولذا فهو محرم شرعا .
2- إن العقد البديل الذي يحترم أصول التعامل الإسلامي هو عقد التأمين التكافلي القائم على أساس التبرع والتعاون ، وكذلك الحال بالنسبة لإعادة التأمين القائم على أساس التأمين التكافلي .
3- دعوة الدول الإسلامية للعمل على إقامة مؤسسات التأمين التكافلي ، وكذلك مؤسسات تعاونية لإعادة التأمين حتى يتحرر الاقتصاد الإسلامي من الاستغلال ، ومن مخالفة النظام الذي يرضاه الله لهذه الأمة ، والله أعلم ) .
5- فتوى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت بشأن وجوب الأخذ بالتأمين التعاوني لمن يريد التأمين برقم ( 62 ع / 2001 ) بتاريخ (15/1/1421هـ الموافق 9/4/2001م) ، وجاء فيها : ( إذا وجد النظام التعاوني فيجب الأخذ به لمن يريد التأمين ، نظرا لأنه يقوم على أساس التكافل والتعاون بين المؤمن عليهم والمؤمن ، ويسير طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية ) .
6- وفي مجال وضع معيار شرعي ومحاسبي متخصص في إعداد القوائم المالية لشركات التأمين التكافلي الإسلامية ، فقد قامت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بإصدار معيار المحاسبة المالية رقم ( 12 ) ، كما أصدر المجلس الشرعي معياره الشرعي الدولي بشأن التأمين التكافلي الإسلامي .
وإن ما سبق دال بالقطع على استقرار الحكم الشرعي في العرف الفقهي المعاصر بشأن جواز التأمين التكافلي، وتحريم التأمين التجاري .
[3] - جاء في الموسوعة الفقهية : ( إن شركة العنان طريق من طرق استثمار المال وتنميته ، تمس إليه حاجة الناس ، قَلَّت أموالهم أو كثرت ، كما هو مشاهد ملموس ، حتى لقد كادت الشركات التجارية الكبرى التي يستحيل عادة على تاجر واحد تكوينها أن تكون طابع هذا العصر الذي نعيش فيه ... فما هي في حقيقة الأمر سوى ضرب من الوكالة ، إذا حل شريك وكيل عن شريكه ) .. الموسوعة الفقهية ـ وزارة الأوقاف بدولة الكويت (26/34) .
[4] - المصدر السابق  26/35 .
[5] - انظر : الموسوعة الفقهية ـ وزارة الأوقاف بدولة الكويت 38/37 ، عقد المضاربة بين الشريعة والقانون .. د. عبد العظيم شرف الدين ص 10 .
[6] - انظر : المغني لابن قدامة ( هجر ) 7/196-197 ، الوكالة في الشريعة والقانون .. د. محمد رضا العاني ص66 .
[7] - انظر : الموسوعة الفقهية ـ وزارة الأوقاف بدولة الكويت 1/252 .
[8] - انظر : الموسوعة الفقهية ـ وزارة الأوقاف بدولة الكويت  33/111-113 .
[9] - انظر في شروط القرض : بدائع الصنائع للكاساني 7/395 ، الموسوعة الفقهية ـ وزارة الأوقاف بدولة الكويت 33/119-121 ، الفقه الإسلامي وأدلته .. د. وهبة الزحيلي 5/3796 ( ط4 ) . وشرط عدم الزيادة الربوية في القرض مصدره خبر : " كل قرض جر منفعة فهو ربا " ، وانظره في : الدراية في تخريج أحاديث الهداية لابن حجر العسقلاني 2/164 برقم 813 ، وإرواء الغليل للألباني 5/235-236 برقم 1398 .. لكن استدرك الكاساني بقوله : ( وهذا إذا كانت الزيادة مشروطة في القرض ، فأما إذا كانت غير مشروطة فيه ، ولكن المستقرض أعطاه أجودهما فلا بأس ، لأن الربا اسم لزيادة مشروطة في العقد ، ولم توجد بل هذا من حسن القضاء وأنه أمر مندوب إليه ) وانظر : بدائع الصنائع للكاساني 7/395 .
[10]- هذا هو الأصح وفق مصطلحات الفقه في المذاهب الأربعة ، وأما نسبة التكييف إلى الالتزام بالتبرع فلا نعلم أن الفقهاء عرفوا مصطلح التبرع كعقد من العقود يصح اتخاذه أساسا للتكييف عليه ، ولذلك جاء في الموسوعة الفقهية تحت ( مصطلح تبرع ) ما نصه : ( وأما في الاصطلاح فلم يضع الفقهاء تعريفا للتبرع ، وإنما عرفوا أنواعه ؛ كالوصية والهبة وغيرها ، وكل تعريف لنوع من هذه الأنواع يحدد ماهيته فقط ) ( 10/65 ) ، قلت : والثمرة إنما تنحصر في " ثبوت عدم حق الرجوع في التبرع بأي طريق شرعي حصل ذلك " ، وسواء اصطلحنا عليه اجتهادا بأنه { التزام بالتبرع } ، أو فقها بأنه { هبة لازمة بالقبض } ، فإن العبرة بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ والمباني .
[11]- انظر : مواهب الجليل للحطاب 6/54 دار الفكر ، القوانين الفقهية لابن جزي ص373 .
[12]- قال القرافي في الفروق ( 1/150-151 ) تحت عنوان : ( الفرق بين ما تؤثر فيه الجهالة والغرر وما لا تؤثر فيه من التصرفات ) ، حيث قسم التصرفات إلى ثلاثة أقسام طرفين ووسط فقال : ( فالطرفان أحدهما : معاوضة صرفة ، فيجتنب فيها ذلك إلا ما دعت الضرورة إليه عادة ، وثانيهما : ما هو إحسان صرف لا يقصد به تنمية المال ، كالصدقة والهبة والإبراء ، فإن هذه التصرفات لا يقصد بها تنمية المال ، بخلاف القسم الأول إذا فات بالغرر والجهالات ضاع المال المبذول في مقابلته ، فاقتضت حكمة الشرع الإحسان الصرف فلا ضرر فيه ، فاقتضت حكمة الشرع وحثه على الإحسان التوسعة فيه بكل طريق بالمعلوم والمجهول ، فإن ذلك أيسر لكثرة وقوعه قطعا ، وفي المنع من ذلك وسيلة إلى تقليله ) ، وانظر : عقود التبرعات .. د. محمد عبيد الله عتيقي ص13-17 ، وقد استعرض أربعة فروق بين المعاوضات والتبرعات ـ بتصرف : 1 / ليس من شرط التبرع ثبوت الإيجاب والقبول فيه على الراجح . 2 / الموهوب لا يملك إلا بالقبض لأنه عقد ضعيف ، بخلاف المعاوضات تملك بالعقد . 3 / في التبرعات تغتفر الجهالة ، بخلاف المعاوضات . 4 / يجوز للمعطي النكول عن التبرع ما لم يقبض ، بخلاف المعاوضات .
[13] - انظر : الإحكام لابن حزم 2/593 ، الفصول للجصاص 3/252 ـ 254 ، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص66 ، الأشباه والنظائر للسيوطي ص60 ، مجموع الفتاوى لابن تيمية 29/126 ، إعلام الموقعين لابن القيم 1/344 .
[14] - هذا على سبيل الإيجاز والإجمال ، وإلا فعلى سبيل التفصيل يمكن أن تصل تلك الفروقات إلى أضعاف ما ذكرناه .
[15]- انظر تفصيل الحالات المذكورة في : التأمين وفقا للقانون الكويتي .. د. جلال محمد إبراهيم ، " جواز تأمين الانتحار " ص206-219 ، وبقية الحالات في ص220-231 .
[16]- المصدر : مجلة التأمين العربي .. مجلة متخصصة في أعمال التأمين تصدر عن الأمانة العامة للاتحاد العربي للتأمين .. العدد 92 / العام 25 / يناير-فبراير-مارس 2007م .
[17]- المصدر السابق ( ص 39  ) .. وأضاف في بيان إحصاءات صناعة التأمين بصفة عامة قوله : ( بناء على إحصاءات التأمين العالمي للأعوام ( 2003-2004م ) تبلغ أقساط التأمين العالمي ( 2941 مليار دولار ) [ طبقا لنشرة سيجما سويس ري ] في حين تبلغ أقساط التأمين العربي ( 9 مليار دولار ) ، أي بما يشكل نسبة تعادل ( 0,3% ) .
... وقد أوضحت آخر الإحصائيات التي نشرت عن صناعة التأمين في الوطن العربي أنه يتم إعادة 94% تقريباً من أقساط التأمين المباشر للوطن العربي إلى معيدي التأمين العالميين ويتم إسناد 6% فقط من أقساط إعادة التأمين إلى معيدي التأمين العرب رغم تمتع الكثير منهم بملاءة مالية عالية ) .
وحول واقع صناعة التأمين العربي يشير الأستاذ / خالد سعود الحسن إلى البيانات والإحصاءات التالية [17] :
-  ( 215 ) شركة تأمين مباشرة عربية والباقي فروع لشركات عربية والباقي فروع لشركات أجنبية .
-  ( 15 ) شركة إعادة تأمين عربية .
-  (240 ) شركة أعضاء في الاتحاد العام العربي للتأمين ، والعدد الأكبر من هذه الشركات يعتبر شركات وطنية بمعيار ملكية رأسمالها ويعاني عدد من هذه الشركات من ضعف مراكزها المالية وتدني رأسمالها حيث أن ( 80% ) من هذه الشركات لا يتجاوز رأس مال الشركة الواحدة 10 ملايين دولار ومتوسط رأس المال في هذا العدد الكبير لا يتجاوز 4 مليون دولار .
ـ  ( 9 مليار دولار أمريكي ) أقساط التأمين العربية تقريباً في العام 2004م ، منها : ( 2,8 مليار دولار أمريكي ) أقساط تأمينات عامة ، و ( 1,7 مليار دولار ) أقساط تأمينات حياة .
ـ   في حين بلغ أقساط التأمين في العالم في عام 2003 مبلغ ( 2941 مليار دولار ) ، كما جاء في نشرة سيجما سويسري في عددها ( 3/2004 ) ، منها 57% أقساط تأمينات حياة و 43% أقساط تأمينات عامة ومسؤوليات .
ـ   تستحوذ كل من المغرب (18%) والسعودية (15%) والإمارات (15%) ولبنان (8%) ومصر (7%) على المراكز الخمسة الأولى في سوق التأمين العربي ، وبإجمالي 63% من إجمالي أقساط السوق العربي تقريباً .. انتهى .
[18]- المصدر : نشرة شركات التأمين المقيدة بسجل وزارة التجارة والصناعة بدولة الكويت ( أغسطس 2008م ) .
( http:/www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=12328 ) .
[19]- الموقع الإليكتروني الرسمي لمؤسسة النقد العربي السعودي [ صفحة التأمين ] .
[20]- نفس المصدر السابق [ صفحة التأمين ] .
[21]- انظر : الموقع الإليكتروني { الربح الحلال } بتاريخ ( 31/1/2007م ) .
( http:/www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=12328 ) .
     ويرى خبراء في التأمين : أن الآلية الواردة في اللائحة الداخلية للتأمين بمؤسسة النقد العربي السعودي تحكي أسلوبا تأمينيا تقليديا ، وليس تكافليا إسلاميا ، وهو ما يعرف في صناعة التأمين التجاري التقليدي باسم " خصم عدم وقوع حوادث " أو " إعادة جزء من قسط التأمين " ( Refund Premium In Case Of No Claim ) أو ( No claim bonus )  .
[22]- المصدر : مجلة التأمين العربي .. مجلة متخصصة في أعمال التأمين تصدر عن الأمانة العامة للاتحاد العربي للتأمين .. العدد 92 / العام 25 / يناير-فبراير-مارس 2007م .
[23]- وقد تناول المؤتمر مجموعة مهمة من القضايا والمسائل المتعلقة بالصناعة .. ومن أبرزها : أ / شرط سقوط الحق في التعويض في التأمين التكافلي . ب / شرط الحلول في التأمين التكافلي . ج/ احتساب وتوزيع الفائض التكافلي .
[24]- وسأمثل في الدلالة على هذه الحقيقة بمثالين اثنين فقط :
أولهما : ما تضمنته المذكرة الإيضاحية لقانون البنوك الإسلامية الكويتي ( النموذج المقترح من مجلس الأمة ) المادة (6) من أن المحافظة على الطبيعة المتميزة للمصارف الإسلامية إنما تأتي في سياق الاستجابة لرغبات قطاع عريض من جمهور المواطنين الراغبين بالتعامل المالي والمصرفي في ظل الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية في معاملاتها المالية ، بعيدا عن آفة الربا باعتبارها من أكبر الكبائر والمحرمات في الشريعة الإسلامية [ وانظر نص المذكرة الإيضاحية للمشروع المقترح من مجلس الأمة ص 10 ] .
ثانيهما : نموذج قانون البنوك الإسلامية الأردني لسنة 2000م ، في المادة ( 54 ) .
وانظر تفاصيل مهمة حول المثالين في بحثنا المحكم بعنوان { قوانين البنوك الإسلامية .. الأسس الشرعية والمعايير الاقتصادية } .. منشور بمجلة الحقوق / مجلس النشر العلمي / جامعة الكويت .. ( العدد 3 ، السنة 29 ، شعبان 1426 هـ/ سبتمبر2005م ) .
[25]- انظر في ذلك بحثنا المحكم المنشور بعنوان : { التجديد في فقه المعاملات المالية المعاصرة .. مفهومه ـ مشروعيته ـ مجالاته } .. مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية / مجلس النشر العلمي / جامعة الكويت ( العدد 73 ، السنة 23 ، جمادى الأولى 1429هـ / يونيو 2008م ) ـ ص 237.
[26] - والتعريف المختار لمصطلح{ هيئة الرقابة الشرعية } هو : " الجماعة من الفقهاء يُعهد إليهم النظر في أعمال المؤسسة المالية بغرض حفظها عن المخالفات الشرعية " .. وانظر شرح التعريف وكافة الأصول الستة لنظرية الهيئات الشرعية في ورقتنا العلمية بعنوان :{ أعمال الهيئات الشرعية بين الاستشارية  الفردية والمهنية المؤسسية } أو{ النظريـة العامة للهيئـات الشرعية } .. مقدمة للمؤتمر الثالث للهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية .. في الفترة 9_10 شعبان 1424هـ  الموافق  5_6 أكتوبر 2003م ، تنظيم / هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بمملكة البحرين .
[27] - لقد اتفقت قوانين البنوك الإسلامية الصادرة في عامة الدول الإسلامية على ركيزة { الرقابة الشرعية } ، حيث ورد النص عليها بالقانون نفسه كشرط أساسي وإلزام رقابي يتعين على المصرف الإسلامي تحقيقه .. وانظر توثيقات مهمة حول ذلك في بحثنا المحكم بعنوان { قوانين البنوك الإسلامية .. الأسس الشرعية والمعايير الاقتصادية } .. منشور بمجلة الحقوق / مجلس النشر العلمي / جامعة الكويت .. ( العدد 3 ، السنة 29 ، شعبان 1426 هـ/ سبتمبر2005م ) .
[28] - النحل - 43 .
[29]- انظر : مداخلة الأستاذ / عبداللطيف عبد الرحيم جناحي ( المستشار الاقتصادي والخبير بصناعة التأمين بمجمع الفقه الإسلامي ) ، مجلة مجمع الفقه الإسلامي ـ الدورة الثانية ـ العدد 2 ، الجزء 2 ، 1407هـ / 1986م ، ص 709-710 .
[30]- نعني بنموذج { الطائر الإسلامي } ما يلي : إن أي اقتصاد حديث يتطلب وجود ثلاث ركائز أساسية تصور على هيئة الطائر ـ برأسه وجناحيه ـ وهي : قطاع البنوك ( رأس الطائر ) ، وقطاع الاستثمار ( الجناح الأيمن ) ، وقطاع التأمين ( الجناح الأيسر ) ، ولقد قام الاقتصاد الإسلامي ببناء الأجزاء الثلاثة بالتوالي ، حتى تم استكمال الطائر الإسلامي بانطلاقة صناعة التأمين التكافلي .
[31]- انظر الفتاوى والقرارات التالية :
أ- فتوى رقم ( 1 ) ضمن فتاوى الندوة الفقهية الثالثة لبيت التمويل الكويتي بشأن { التأمين على الحياة } .
ب- فتوى رقم ( 1 ) ضمن فتاوى الندوة الفقهية الرابعة لبيت التمويل الكويتي ( عام 1994م ) بشأن { الضوابط الشرعية لصور وعقود التأمين على الحياة } .
ج- القرار رقم ( 3/18 ) ( ثالثا ) التأمين التكافلي على الحياة .. ضمن فتاوى وتوصيات ندوة البركة الثامنة عشرة للاقتصاد الإسلامي المنعقدة بدمشق/سورية .. في الفترة 7-8 رجب 1421 هـ  الموافق 4-5 أكتوبر 2000 م .
[32]- تقوم شركة المستشار الشرعي الدولي بدولة الكويت حاليا بإعداد دراسات علمية وميدانية حول " تطوير منتج تكافلي للحياة " يقوم على أساس تطبيقات الوقف في الفقه الإسلامي .
[33]- انظر : التقرير السنوي .. البنك الإسلامي للتنمية .
[34]- انظر : بحثنا المحكم بعنوان { قوانين البنوك الإسلامية .. الأسس الشرعية والمعايير الاقتصادية } .. منشور بمجلة الحقوق / مجلس النشر العلمي / جامعة الكويت .. ( العدد 3 ، السنة 29 ، شعبان 1426 هـ/ سبتمبر2005م ) .. وانظر أيضا : ورقة بعنوان { قوانين البنوك الإسلامية } د. عبد الستار الخويلدي .. مقدمة لمؤتمر الهيئات الشرعية الخامس برعاية هيئة المحاسبة والمراجعة بالبحرين.
[35] - ويبقى الإشكال الشرعي والفني .. كيف يمكن للهيئة الشرعية أن تصدر تقريرها السنوي وتضمنه شهادتها بسلامة أعمال المؤسسة التكافلية وأن أعمالها خالية من المخالفات الشرعية ؛ وهي لم تعقد حتى اجتماعا واحدا خلال هذه الفترة الطويلة جدا !! .
[36] - ولقد وقفت على نماذج وحالات لمدراء منتسبين إلى شركات تكافلية وتعاونية إسلامية في عدد من الدول ، وقد كانوا جميعا يصرحون بانتفاء الفارق بين نموذجي التأمين التكافلي ( الإسلامي ) والتجاري ( التقليدي ) ، إذ لا فرق عندهم بينهما سوى في الشعار الإسلامي وأما الحقيقة الفنية فواحدة ، وكم كنت أفاجأ بعد مناقشة الفروقات الجوهرية معهم من دهشتهم لما يسمعون ،  وأنهم لم يسبق لهم فرصة تلقي هذه المعرفة الواضحة بأبعادها الفنية والشرعية ، وهم يعزون ذلك إلى نقص المصادر المعتمدة في فنيات الصناعة،فضلا عما يعانونه باستمرار من تشكيك في شرعية الصناعة مما قد يبديه بعض العامة، وأحيانا بعض المنتسبين إلى علم الشريعة.
[37] -   إن إشكالية ضعف الوعي التأميني أو ( الثقافة التأمينية ) لدى العاملين في قطاع التأمين عموما هي إشكالية عامة في المنطقة العربية ، ففي حوار أجرته مجلة التأمين العربي مع سعادة السيد / جمال حمزة ( رئيس مجلس إدارة " الشركة المصرية لإعادة التأمين " بجمهورية مصر العربية ) قال ما يلي :
( ... في حقيقة الأمر إن مشكلة نقص الوعي التأميني لا تقتصر على العامة فقط ، بل وللأسف الشديد تمتد إلى العديد من العاملين بصناعة التأمين نفسها ، حيث نجد أن معظم العاملين بهذه الصناعة الحيوية والذين بكل تأكيد لديهم دراية بأهمية التأمين إلاّ أنهم لايقبلون على شراء التغطيات التأمينية ، ويقتصر شرائهم للحمايات التأمينية على الوثائق الجماعية التي تبرمها شركاتهم بالنيابة عنهم أو الوثائق الإجبارية ؛ كما هو الحال في وثائق التأمين الإجباري على السيارات ) .
المصدر : مجلة التأمين العربي .. مجلة متخصصة في أعمال التأمين تصدر عن الأمانة العامة للاتحاد العربي للتأمين ..  العدد 89 / العام 24 / ابريل – مايو – يونيه 2006م ( ص 46-47  ) .
[38] - لقد سعت إحدى جهات التدريب التجاري إلى طرح شهادة دبلوم متخصصة في التأمين التكافلي ، وقد جاءت النتائج عكسية حيث أدت المعرفة السطحية والمتناقضة والمقدمة من أفراد غير متخصصين إلى ترسيخ الشكوك وبعث الشبهات حول صناعة التكافل ؛ حتى لدى العاملين في شركات التأمين التكافلية ، والذي أقروا بتحقيق البرنامج للمعرفة السلبية والمشوهة حول الصناعة .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire